المسيحيون في شمال العراق شعب الألم والصمود [1]

تاريخ الإضافة الخميس 22 آذار 2012 - 5:45 ص    عدد الزيارات 776    التعليقات 0

        

 
شمال العراق – بيار عطاالله

المسيحيون في شمال العراق شعب الألم والصمود [1]

يحلمون بإقليم يحفظ التنوّع ويؤمّن المساواة للأقليات

 

"لا نريد ان نلقى مصير مسيحيي العراق" عبارة درجت على ألسنة القائلين بالدفاع عن المسيحيين في لبنان. توحي العبارة أن مسيحيي العراق اندثروا وانتهى امرهم، وانهم ينتظرون اما الموت في عبوة ناسفة او رصاصة غادرة او تأشيرة سفر الى برد الدول الاسكندنافية وصقيع كندا والولايات المتحدة ليضافوا الى ارقام اللاجئين الباحثين عن ارض ما، في حين ان وطنهم الأم لا يزال يرتسم على ارض العراق شعباً ومدناً وبلدات وقرى وسهولاً زراعية ولا يزال قسم لا بأس به مصراً على البقاء والصمود لا يكترث للمتاجرة بهم او بمصيرهم، وهم يخططون لبناء جامعة ومؤسسات تعليمية وصحية واقتصادية، والأهم الحصول على اقليم خاص بهم وبالاقليات الاخرى في سهل نينوى التاريخي الذي يعج بالقرى والبلدات والاديرة المسيحية.
ذهبت "النهار" الى شمال العراق بعدما نزحت اليها الاكثرية الساحقة من مسيحيي بغداد والبصرة لتعاين اوضاعهم وجالت في ضاحية آربيل المسيحية: عينكاوا، والبلدات والقرى الجميلة المنثورة في سهل نينوى الجنوبي والشمالي، والتي يتنازع الاكراد والسلطة المركزية الشيعية الرغبة في الاستحواذ على ارضها، في حين ينشط الشيعة المدعومون من الايرانيين، والعرب السنة المدعومون من الخليجيين في تمويل عمليات شراء الاراضي كلٌّ لتوسيع دائرة سيطرته، متناسين ان اهل الارض ما زالوا يقيمون هناك بكل افراحهم واتراحهم وذكرياتهم وتاريخهم.
والكلام على المسيحيين في العراق يعني الكلام على حوالى نصف مليون من اصل مليون ونيف قبل سقوط نظام البعث، علماً ان الهجرة الى خارج العراق بدأت منذ اندلاع الحرب العراقية – الايرانية، واشتدت بعد سقوط "البعث" لتخفت قليلاً اليوم مع ثبات الاوضاع وانتقال القسم الاكبر من المسيحيين الى ارضهم الأم في شمال العراق، حيث يتمسكون بالتحالف مع مواطنيهم الاكراد في اقليم كردستان، ويسعون الى تحقيق مشروع واضح المعالم بأقامة "محافظة الأقليات" او سهل نينوى، على ان تضم اقضية تل كيف (1240 كيلومتراً مربعاً)، بغديدا او الحمدانية (1200 كيلومتر مربع) وبعشيقا ضمن الفيديرالية العراقية اسوة بالاكراد والسنة والشيعة، وذلك سعياً الى حماية حضورهم الثقافي والاجتماعي والديموغرافي.

 

شعب الألم والمعاناة

الكلام من بعيد أو "التنظير" سهل، اما معاينة الامور على ارض الواقع والاستماع الى الشهادات فترسم صورة مختلفة للامور، وفي مقدمها الانتشار الديموغرافي الذي مر بمراحل عدة ويفاخر الناشطون المسيحيون في العراق بأصولهم التاريخية الاشورية والكلدانية وصولاً الى السريانية ويصرون على القول، ان ما يتعرضون له ليس سوى حلقة من الصراع القومي لإلغاء وجودهم بكل تجلياته وخصوصاً الثقافية، التي يحرصون عليها كثيراً فيعلّمون أولادهم السريانية في المدارس والكنائس الى جانب العربية والكردية والانكليزية.
وفي اضاءة تاريخية، كان المسيحيون ينتشرون بكثافة في شمال العراق ومحيطه من الجبال والسهول، وفي احصاء اجراه أحد الولاة العثمانيين مطلع القرن الفائت يتبين انهم كانوا يشكلون الغالبية في شمال العراق. وهذا ما دفعهم عقب نهاية الحرب العالمية الاولى مستشعرين قوتهم وارتفاع اعدادهم الى اعلان "الثورة الأشورية" التي انهارت بعد نكث الحلفاء بعهودهم، فكانت الهزيمة الأكبر ليتشتتوا بعدها وتنكسر قوتهم، وليبدأ تصاعد نجم الحركة الكردية ترفدها الزيادة الكبيرة في ديموغرافياتهم.
محطة الالم الثانية كانت عام 1961 عندما أعلن الملا مصطفى البرازاني الثورة الكردية، فجاء رد السلطة المركزية في بغداد عنيفاً، شاملاً، مما أدى الى هجرة المسيحيين من مناطق داهوك وزاخو وآربيل وديالا وغيرها الى بغداد.
ويقول وزير الصناعة والطاقة السابق في حكومة اقليم كردستان يونان هوزايا: ان "الزمن ليس لمصلحتنا والمسألة ليست عددية فحسب فنحن نستهدف اقتصادياً في شكل خاص، لأننا نمثل طاقة كبيرة في المجتمع العراقي. وعدم الاستقرار الامني والسياسي ادى الى ركود اوضاع شعبنا الاقتصادية وانهيارها. تضاف الى ذلك الضغوط الارهابية التي تعرضنا لها وكانت في غالبيتها ذات اهداف اقتصادية للسيطرة على ممتلكاتنا بأسعار بخسة".
ويشرح هوزايا ان آلاف العائلات المسيحية انتقلت الى شمال العراق في داهوك وزاخو وبغديدا وعينكاوا وغيرها لكن قسماً كبيراً منها رأى ان لا امكانية لتأسيس حياة جديدة بسبب ضعف القدرات وتردي الاحوال مما اضطرها الى الهجرة الى الخارج.

 

قوانين وانتزاع اراض

يستهجن الناشطون المسيحيون مقولة انهم كانوا يعيشون بطمأنينة ايام نظام البعث ويذكرون بجملة أمور أقدم عليها، منها "قانون اسلام القاصر" الذي لا مثيل له حتى في السعودية وينص على انه اذا أسلم احد الوالدين فإن على كل أولاد العائلة ان يتبعوه. كما فرض التعليم الاسلامي اعتباراً من عام 1979، وقرر تباعاً عدم استخدام اسماء مسيحية وتدريس الدين الاسلامي اعتباراً من الصف الابتدائي الخامس. وثمة قانون آخر فرضه عام 1992  وهو "الحملة الايمانية" التي سعت الى تحويل حزب البعث حركة اسلامية وفي تلك الحقبة تعرضت مصالح المسيحيين للضرب، لتبدأ موجات الهجرة الحديثة الى اوروبا.
 لكن ما هو اخطر من ذلك بالنسبة الى المسيحيين وقسم كبير منهم من الفلاحين والمزارعين، كان الاستيلاء على اراضيهم تحت شعار "التأميم وتوزيع الارض على الفلاحين"، فانتزعت الاراضي من الفلاحين المسيحيين لتوزع على غيرهم. وفي مدينة عينكاوا التي تعد الضاحية الجنوبية الغربية الراقية لأربيل عاصمة كردستان، انتزعت الاراضي بالقوة من مالكيها تحت عنوان "تشجيع الاستثمارات". وفي مدينة برطلي السريانية وزعت الأراضي على الشيعة لتفتيت الملكية العقارية للمسيحيين وتفكيك ما يسمى خط الانتشار المسيحي الكبير في سهل نينوى الجنوبي.       
يقيم المسيحيون في شمال العراق علاقة شبه تحالفية مع الاكراد بعدما كاد وجودهم ان يكون رمزياً في الجنوب والوسط (بغداد)، ولهم خمسة نواب في البرلمان الفيديرالي وخمسة نواب في برلمان اقليم كردستان الى وزير في كل من الحكومة الفيديرالية والاقليم. لكن المسيحيين يتمسكون بالحصول على اقليم خاص بهم يسمونه محافظة نينوى التي يعتبرونها البقعة الجغرافية لهم وللأقليات الاخرى من اليزيديين والشبك، حيث سيستطيعون التعبير عن خصوصيتهم ومواطنيتهم العراقية، لكن المشكلة في رأيهم في السلطة المركزية التي تصر على التصرف بمنطق الهيمنة ورفض ترجمة ما أقره الدستور العراقي باستفتاء مكونات الشعب العراقي عن خياراتها المستقبلية.

 

مطران وجامعة ومستشفى

يذكر رئيس اساقفة أربيل داهوك وزاخو للكلدان الكاثوليك المطران بشار وردة ان الكنيسة، بل الشعب العراقي برمته كان تحت المراقبة خلال حكم صدام حسين، ويروي ان حركة "الجيش المريمي" الروحية اضطهدت خلال العامين 1974-1975 ظناً من السلطات أنها حركة عسكرية، علماً انها مجرد حركة ايمانية روحية. ويضيف: "تسنى لنا بعد سقوط النظام الاطلاع على ملفات معينة اظهرت انهم كانوا يحصون انفاسنا".
تضم ابرشية المطران وردة 31 رعية، منها الكبيرة والصغيرة، ويعرف عنه انه مطران مناضل يتصدى للمشكلات التي تواجه شعبه، فهو افتتح مدرسة ويعمل على بناء مستشفى خاص، والأهم انه يكب بالتعاون مع جامعة الروح القدس في الكسليك على إنشاء جامعة ضخمة في عينكاوا يتوقع ان تكون الاولى في العراق.  ويقول في ذلك: "هناك عمل كثير علينا القيام به لطمأنة المسيحيين الذين يهاجر بعضهم لانعدام فرص العمل، وانا شخصياً اتفهم ذلك وأدرك جيداً شعور اللا أمان لدى الاقليات والمسيحيين".
وفي رأي المطران ورده ان الوضع المسيحي في العراق، جزء من الوضع العراقي والاقليمي المفتوح على كل الاحتمالات.

 

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,964,923

عدد الزوار: 7,652,353

المتواجدون الآن: 0