حوزة المرجع السيّد فضل الله واحدة من 38 حوزة للطائفة الشيعية

تاريخ الإضافة الأحد 29 نيسان 2012 - 8:21 ص    عدد الزيارات 2977    التعليقات 0

        

 

 
حوزة المرجع السيّد فضل الله واحدة من 38 حوزة للطائفة الشيعية
نشر في.. (10/07/2007) ..السفير...زهير هواري
تتباين الأرقام في عدد الحوزات العلمية في لبنان، ففيما يذكر البعض أن العدد الاجمالي هو 30 حوزة موزعة على المحافظات اللبنانية باستثناء الشمال، يستقر الرقم لدى بعض المشتغلين في هذا المجال على 38 حوزة. يعبر مثل هذا الرقم سواء الأدنى أو الاقصى عن فوضى لا مثيل لها، خصوصا أن المسألة تخضع لتجاذبات منها ما هو مرجعي ـ ديني ومنها ما هو سياسي. ولكن قبل أن نسترسل في هذا الجانب الذي سنخصص له حلقة خاصة، لندخل الى واحدة من الحوزات، هي حوزة المرجع الشرعي السيد محمد حسين فضل الله والمسماة حوزة المعهد الشرعي، وهي واحدة من أقدم الحوزات المعروفة حاليا. على أنها ليست الاقدم في تاريخ الحوزات، اذ منذ قرون وقرون كانت هناك حوزات منتشرة في المناطق اللبنانية، ولا سيما في جبل عامل. وقد لعبت هذه الحوزات دورها العلمي والديني عندما كانت المنطقة تفتقد الى أمرين معا: المؤسسات التربوية ـ التعليمية. والاعتراف من جانب السلطات العثمانية والانتدابية بالمذهب الجعفري. طبعا تغير ذلك منذ عقود طويلة. ونشأت اولا المدارس الخاصة في الجنوب وتلتها المدارس الرسمية، ثم تم الاعتراف بالمذهب الجعفري وبالشيعة كإحدى طوائف لبنان وطائفة رئيسية فيه. وبات هناك قضاء شرعي جعفري اسوة بما هي عليه الطوائف الاخرى، التي تدير أحوالها الشخصية تبعا لموروثها الديني والفقهي. ايضا وايضا في غضون العقدين الاخيرين نشأت عشرات المدارس الخاصة، مدارس لا يمكن أن توضع في خانة التعليم الديني، لكن للدين حيزاً أساسياً من تدريسها الى جانب المواد المقررة بحسب المناهج الرسمية. استكملت الطائفة الشيعية في غضون هذين العقدين بناء مؤسساتها التعليمية الخاصة، ولحقت بما أنجزه سواها من الطوائف. وباتت المدرسة الرسمية، التي شكلت على الدوام العمود الفقري للتعليم في الجنوب وبعلبك ـ الهرمل كما هي عليه في المناطق الاخرى، في الموقع الادنى، وضعف الاهتمام بها ونقص عدد طلابها. لم ينسحب الامر على الجامعات، باعتبارها أكثر تعقيدا وتتطلب تقاليد وإمكانات نوعية، وعليه فقد اقتصر الامر على الجامعة الاسلامية، بينما ظلت الجامعة اللبنانية هي موقع الاستقطابات على صعيدي الاساتذة والطلاب على حد سواء. ربما هذا السبب دون سواه يفسر التنافس الضاري على الإمساك بمقاليد الامور فيها، ان لم يكن إداريا فطالبيا ايضا.
الحوزة والدراسة
بالعودة الى حوزة المعهد الشرعي، نشير الى أن الحوزة ليست جامعة بالمعنى المتعارف عليه، فالدراسة فيها تقتصر على العلوم الدينية، وعليه فإن مجال العلوم الدنيوية مفقود في بعضها، أو مقتصر على بعض مواد الانسانيات في أكثرها حداثة، أما لجهة الطلاب فلا يبدو شرط الحصول على البكالوريا ـ القسم الثاني في الكثير منها ضرورياً. ثم ان الدراسة في بعضها قد تتعدى أو هي ضعف عدد سنوات الدراسة في الجامعة العادية، حتى عندما كان الحصول على شهادة الليسانس يتطلب أربع سنوات. هناك فوارق كثيرة على صعيد الهيئة التعليمية ايضا، ففيما تشترط الجامعة درجة الدكتوراه للتدريس لا ضرورة لذلك في الحوزة. المهم ان الدراسة في الحوزة كما كانت عليه قديماً كانت مرحلة وسطى يعقبها التوجه الى النجف الأشرف للحصول من حوزاتها على الدراسة الكاملة والعودة بالتالي الى لبنان. بعض العائلات كانت تدرج على إرسال أبنائها صغاراً الى العتبات المقدسة، وهناك ينخرطون في مجرى التعليم الديني سنوات طويلة قبل رجوعهم الى لبنان معممين بعد الحصول على الاجازات اللازمة للتعليم والقضاء والوعظ والارشاد وما شابه بطبيعة الحال.
يبلغ عمر حوزة المعهد الشرعي الآن أكثر من أربعين عاما. وهو عمر ليس بالقصير على أي حال. وقد أسسها المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله إثر عودته من النجف. كان المركز الاول للحوزة في منطقة النبعة التي امتازت بكثافة سكانية نازحة من قرى الجنوب وبلداته منذ الستينيات وتصاعدت في أعقاب فتح جبهة الجنوب على الصراع العربي الاسرائيلي في أعقاب نكسة العام .1967 أسسها السيد فضل الله بالاسم الذي ما زالت عليه واستمرت في مكانها، وضمن مقدرات وإمكانات تتلاءم مع الوضع الذي كانت عليه الطائفة والسيد في تلك الايام. لكن ما لبثت الحرب الاهلية ان اندلعت واستهدفت النبعة أكثر من سواها، باعتبارها من معاقل المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. فكان ان انتقلت الحوزة بعد سقوط تلك المنطقة الى الضاحية الجنوبية وتحديداً الى حي السلم قرب مطار بيروت. استمرت في حي السلم منذ العام 1976 الى العام 1983 وشغلت مكاناً في مبنى الحسينية تحديداً، لكنها في العام 1983 انتقلت الى منطقة بئر حسن، حيث بناؤها الحالي المؤلف من أربع طبقات، والذي ما زالت فيه الى هذا اليوم.
يقول مدير الدروس الشيخ د. خنجر حمية: يختلف عدد طلابنا باختلاف السنوات، فالاقبال يتغير من عام الى عام، لكن منذ استقرارنا في هذا المكان، أي منذ ربع قرن الى الآن، لا يقل عدد الطلاب عن 150 طالبا سنويا موزعين على مراحل دراسية تعرف تقليديا بـ: المقدمات، السطوح ودروس الخارج. وهو التقسيم الذي ما زال معتمداً في حوزات النجف، مع محاولات للتجديد.
الإخوة والأخوات
قبل المتابعة نشير الى أن شهادة الحوزة غير معترف بها من جانب وزارة التربية والتعليم العالي. هناك طلب في أدراج الوزارة للاعتراف، لكن لم يصل بعد الى خواتيمه. الترخيص المقدم الى الوزارة مزدوج، أحدهما باسم المعهد والآخر باسم معهد اقرأ للعلوم الاسلامية والتربوية. والواضح أن الأخير يشمل قسمي العلوم الاسلامية والتربوية. وكلاهما جرى التقدم به منذ أيام الوزير عبد الرحيم مراد، علما وكما يقول حمية ان الطلب مكتمل، ونأمل في الحصول على الموافقة، بعد أن تقدمنا بخرائط تفصيلية للمشروع على مساحة خمسة آلاف متر مربع وبمواصفات هندسية عالية، بما يتضمنه من أقسام وقاعات وملاعب ومكتبات ومكاتب.
اذا كان عدد طلاب الحوزة لا يقل عن 150 في العام في المراحل كافة كما يقول حمية، فالمهم ان نشير الى وجود قسم للأخوات. هذا القسم كان محله في منطقة صفير شرق الضاحية الجنوبية، لكن العدوان الذي تعرض له لبنان وضاحيته بالأخص، أدى وبعد الدمار الذي تعرضت له مؤسسات جمعية المبرات، الى استعمال المبنى لغير الدراسة الحوزوية للاناث. فكان أن انتقلت الحوزة النسوية الى حي السلم حيث توفر المبنى. العدد في هذا القسم يرتفع ويهبط كما يذكر حمية، لكنه في غضون السنوات الاربع الماضية لا يقل متوسطه سنويا عن 60 طالبة. هنا في هذا القسم تبدو الشروط مخففة عن الشروط المطلوبة من «الاخوة». اذ لا يتم اشتراط البكالوريا ـ القسم الثاني، باعتبار ان الطالبات المتخرجات لن يشتغلن بالبحث الديني، أو يصبحن مبلغات للدعوة. اذ ان الهدف ـ كما يحدده حمية ـ ليس أكثر من تزويد الاخوات بثقافة دينية تعطيهن مفاتيح العلوم الدينية مضافا الى الثقافة العامة، مما يفيدها في منزلها أو في علاقاتها، لذلك فإن مدة دراستهن أربع سنوات لا ثماني سنوات كما يخضع له الاخوة. وهذا مرده الى اختلاف ظروفها عن ظروفه. هناك قسم من طالباتنا يتجهن الى مدارس جمعية المبرات ويتولين التدريس الديني للفتيات، لكن دراستهن في غضون السنوات الاربع لا تقتصر على هذا الجانب اذ تشمل التعليم العام والتربية، وذلك انهن يتولين الاشراف الرعائي أو الديني أو التربوي في مؤسسات المبرات. فمثلا لدينا في مبرات الايتام ما لا يقل عن 3600 يتيم، وقد تضاعف العدد لدينا بعد عدوان تموز، ونحن نخصص لكل عشرة أيتام مربيتين، لذا نحن نهيئ طالباتنا ونزودهن للقيام بهذا الدور بمواد علم النفس التربوي وعلم نفس الطفل والام وعلم الاجتماع وغيرها من المواد.
يفهم من كلام د. حمية ان سنوات دراسة «الاخوة» ثماني سنوات، «الاخوات» نصفها، ولكن ماذا يدرس الطالب في غضون هذه السنوات الثماني. وكيف تقسم مراحل الدراسة الحوزوية التقليدية بما هي: المقدمات والسطوح ودروس الخارج.
عن هذا السؤال يجيب حمية قائلا: منذ 7 سنوات غيّرنا في النظام شكلاً، أي قسمنا الدراسة الى سنوات، بات لدينا عام دراسي مقسم الى فصلين، وكل فصل مقسم الى أشهر نخضع الطالب في نهايته الى امتحان صفي فصلي. أي ان نظامنا بات شبيهاً بالانظمة الاكاديمية في الجامعات. وتبعا لذلك بات الطالب مضطراً الى النجاح طوال السنوات الدراسية الثماني، يخضع في غضونها كل عام الى امتحانين، أحدهما في منتصف العام والآخر في ختامه، ولا يمكن للطالب أن يتخرج إلا اذا اجتاز كل هذه الامتحانات وفي كل السنوات.
أما عن شروط الدخول الى الحوزة، فيصفها حمية بأنها شروط علمية وشروط أخلاقية، كذلك هناك شرط له علاقة بالسن. الشرط العلمي هو ان يحصل على الثانوية العامة، وان يجتاز ايضا امتحان الدخول الذي نجريه في مادتي الثقافة العامة واللغة العربية، حيث على الطالب تحليل نص لإظهار قدراته اللغوية والثقافية. بعد نجاحه في امتحان الدخول يخضع الطالب لمدة ثلاثة أشهر كاختبار اذا ما كان باستطاعته ان يواكب الدراسة بشكل ناجح ام لا. الناحية الاخلاقية لها أهميتها لدينا، اذ يجب أن يكون الطالب معروفا بسلوكه الحسن وأن يحصل على تنويه من عدد من العلماء والمشهود لهم من الاشخاص. ثم هناك ما يتعلق بالسن، اذ يجب ألا يتجاوز الطالب 21 عاما عند الدخول، وهذا سببه مسألة الاعفاء من الخدمة الالزامية.
المتخرجون ومصائرهم
اللافت أن أكثر طلاب الحوزة ومنذ عشر سنوات تقريبا وحتى الآن يجمعون بين الدراسة الحوزوية والدراسة الاكاديمية في الجامعات، اذ ان نسبة لا تقل عن 85 بالمئة يكملون دراستهم في الجامعات ويحصلون على الليسانس ومنهم من يتابعون دراساتهم العليا للحصول على الماجستير، وهناك أكثر من 18 طالبا من طلاب الحوزة يتابعون للحصول على الدكتوراه. هذا ما يذكره حمية.
هذا يطرح سؤالا أساسيا حول المتخرجين. لكن قبل ذلك لا بد من الاضافة الى أن لدى المعهد فرعاً في مدينة صور اسمه المعهد الشرعي ايضا، وهو عبارة عن مدرسة قديمة أوكل أمرها السيد هاشم معروف الحسيني الى المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، أما خارج لبنان فهناك حوزة المصطفى في منطقة الست زينب في دمشق، وهذه الاخيرة من أكثر الحوزات نشاطاً، ويأتيها الطلاب من دول الخليج وسوريا، وقد خرجت هي الاخرى أعدادا كبيرة، وتخضع لنفس النظام الدراسي، ويقدم السيد فضل الله ثلاثة دروس أسبوعيا لمرحلة الدروس العالية منذ خمسة عشر عاما وحتى اليوم.
اذاً يتبين ان في الضاحية حوزتين إحداهما للذكور والثانية للاناث، وكذلك ثالثة في صور ورابعة في دمشق، وعدد المتخرجين منها لم يحص على نحو دقيق، لكنه على حد ما يقول رئيس مجلس الحوزات الشيخ حسين الخشن بالألوف. منهم ليس أقل من ألف من معهد المجلس، حتى انه يقدر نصف عدد رجال الدين في لبنان بمن فيهم أساتذة الحوزات، ومفتون وقضاة وسياسيون تخرجوا من الحوزة والمعهد. وأكثرية المتخرجين تعمل في مجال الدين والحياة السياسية حتى. فالشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله هو من متخرجي الحوزة. لكن من ضمن المتخرجين من الذين يتولون مسؤوليات العمل الديني ومؤسساته خارج لبنان، أي في ديار الاغتراب، سواء في افريقيا أو أوروبا أو أميركا الشمالية.
بعض المتخرجين يعملون في مؤسسات المبرات، أو في المساجد أو المكاتب أو أئمة في القرى. هؤلاء يحصلون على مساعدة تبليغية كما يقول حمية بحدود 300 ـ 500 ألف ليرة. وبالطبع فإن هذا المبلغ لا يكفيه مع عائلته، وهناك مكتب لإدارة شؤون المبلغين والبعض ينصرف الى العمل في مؤسسات اخرى، أي انهم يغادرون مؤسسات المبرات الى مؤسسات ثانية ويعتاشون كما غيرهم، أي ينتمون الى أجهزة المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى ويحصلون منه على راتب، أو تتولى مسؤولياتهم القرية وتتحمل أعباء إعالتهم عبر لجنة من أبنائها، كما ان هناك نظام الخمس والزكاة، وهو النظام الذي يصفه الخشن بأنه يستطيع أن يوفر قدرات كبيرة، باعتباره أحد المصارف الاساسية الذي يتوجه نحو التبليغ الديني والانفاق على رجال الدين. اذاً يعترف الخشن بأن المشايخ يعانون من مشاكل معيشية، اذ ان مؤسسة واحدة لا تستطيع تحمل مسؤولياتهم، ومثل هذا الامر يحتاج الى تنظيم من جانب المرجعية المسؤولة التي يتوجب عليها أن تدير أمر رجال الدين تنظيماً وإنفاقاً بما يكفيهم دون ترف. لكن ما يحدث هو أن عدداً من رجال الدين يتجهون نحو القوى السياسية والفعاليات. نحن من جانبنا نشجع أن يكون رجل الدين عاما، ولكن بعيدا عن زواريب الاحزاب وعصبياتها، لأن ابتعاده هذا يجعل تأثيره أكبر وأشد فاعلية من أن يكون تابعا، علما ان علينا ألا ننسى أن عمل رجال الدين في السياسة، ليس أمراً جديداً لا على صعيد الطائفة الشيعية أو على صعيد الطوائف في لبنان، كما يؤكد الخشن.
مع ذلك يضيف الشيخ الخشن ان هناك قصوراً من جانب المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى كمؤسسة في إدارة شؤون رجال الدين الشيعة. السبب في هذا القصور انه مؤسسة رسمية وعليه أن يلعب دورا أكبر مما هو عليه، وان يتعاون في هذا الأمر مع سائر المرجعيات والحوزات. ومن خلال موقعه المؤسسي هذا عليه ان يعمل على تنظيم وضع الحوزة والعمامة ورجال الدين. فإذا شذ أحد رجال الدين لا يستطيع سوى مؤسسة المجلس أن ترفع عنه الغطاء. وكي لا نصل الى مثل هذه الامور يجب أن يناط بالمجلس القيام بدور الرعاية لرجال الدين ومساعدتهم. أي ان المطلوب منه هو دور أكبر مما يلعبه حاليا.
الأساتذة والمستوى
يتم الإنفاق على الحوزات من قبل المرجع الشيعي السيد فضل الله، والانفاق الذي نتحدث عنه متنوع، يبدأ من إدارة الحوزة ويمر على الطعام والشراب ويتجاوز ذلك كله الى المساعدة المالية للطلاب. فالطالب الذي يعاني من قصور عن تدبير إنفاقه الشخصي يستطيع كما يقول حمية التقدم بطلب مساعدة مالية، ويحصل عليها، والمبلغ الذي تقدمه الحوزة في فروعها في لبنان أو خارجه يتراوح بين مئة دولار ومئة وخمسة وسبعين دولارا للطلاب في المراحل المتقدمة. هذا من حيث الانفاق على الطلاب، وتتم تغطية هذه المبالغ من المكاتب التي يديرها فضل الله والتي تحصل على الاموال من الخمس والزكاة التي يقدمها المتمولون سنويا كتكليف شرعي.
اذاً يحصل طالب أو طالبة الحوزة على مساعدة مالية أو منحة دراسة خلال الاربع أو الثماني سنوات، وهذا يعني انه لا يدفع للتسجيل والدراسة، اذ ان المبدأ هو مساعدة الطالب وتكفله في سنوات دراسته. لكن مثل هذا الامر لا ينطبق على الاستاذ المدرس في الحوزة، بطبيعة الحال، الذي هو مسؤول عن إنفاق عائلة. ولكن قبل ذلك من أين يأتي أساتذة الحوزات؟
يقول الشيخ حسين الخشن ان لدى الحوزات ما لا يقل عن 150 مدرّسا، وقد مر على الحوزة جيل كبير من الاساتذة، منهم علماء معروفون، أما نظام الاستاذية كما يقول حمية، فإنه عبارة عن عقد سنوي، اذ ان على كل من يرى بنفسه القدرة على ممارسة هذا الدور أن يتقدم بطلب للتعليم، وعلى ضوء مؤهلاته، يمكن أن يتم توقيع عقد سنوي معه. خلال العام الدراسي نجري تقويما لأدائه ولمستواه من خلال التقارير عن وضعه وأدائه للطلاب. فإذا تبين لنا أن هناك مشكلات، لدينا حلان مع الاستاذ غير الكفوء، الاول منهما ان نعتذر منه حتى ولو كان في منتصف العام الدراسي، ولدينا في العقد الموقع معه ما يسمح لنا باللجوء الى مثل هذا الخيار. اذ ان في النص شرطاً يسمح لنا بذلك اذا كان أداؤه متدنياً. أما اذا كان أداؤه متوسطاً فننتظر معه حتى نهاية العام الدراسي ونبحث عن الافضل منه ونأتي به. لكن أساتذتنا بالاجمال هم من ذوي الكفاءة التدريسية باعتبارهم من الاختصاصيين في مجالاتهم ومن ذوي الخبرة في المجال التعليمي.
أما مؤهلات هذا الاستاذ في الحوزة، فهو أن يكون خريج حوزة. هناك قسم من متخرجي حوزاتنا في لبنان، ونختار من بين المتخرجين المتفوقين في مجالات التدريس. كما ان قسماً من المتخرجين هم من الذين درسوا في حوزات النجف أو قم، وبالطبع فإن المتخرج هذا يكون قد اجتاز المراحل الحوزوية كاملة. بالطبع لا نأتي بأي أستاذ يجرب نفسه وكفاءته بطلابنا. يقول د. حمية: أنا والشيخ حسين الخشن مثلا أكملنا دراساتنا في قم ثم عدنا الى الحوزة لنمارس دوري الاستاذية والادارة. ايضا لدينا قسم من الاساتذة المتخصصين أكاديميا، وعندما أشرت سابقا الى وجود 18 طالبا يعدون الآن لشهادة الدكتوراه من الذين درسوا في المعهد، كنت أشير الى اننا بتنا نملك رصيدا تعليميا متخصصا من إنتاج الحوزة، ومعه بتنا نستغني تباعا عن أولئك الذين لا يملكون المؤهلات الاكاديمية العليا. أما في الحوزات التي نتولى تدريس الاناث كما في حوزة حي السلم وفي المعهد في صور فإن «الاستاذات» عددهن قليل، وعليه ما زال الرجال هم من يتولى التدريس في هذه الحوزات. اذ اننا نرى ان تأهيل الفتيات للتدريس لا يمكن أن يتحقق في غضون أربع سنوات دراسة، اذ يحتاج ليس أقل من عشر سنوات، بعضها قد يكون خارج لبنان كما ذكرت في النجف أو قم، وهو أمر ما زال متعذرا في مجتمعنا الى حد ما.
يجزم الشيخ حسين الخشن بأن مستوى أساتذة المعهد الشرعي عال، نظراً لطبيعة دراساتهم وللآلية المعتمدة في تقييمهم، وهذا ما لا يتوفر في حوزات اخرى. ويعبر عن هذا التمايز الذي نقدمه الاقبال الذي نشهده والتشدد الذي نمارسه في اختيار الطلاب. اذاً يتمتع أساتذتنا بمستوى عال وسمعة جيدة، لكن هذه وحدها لا تحقق الهدف ان لم تتكامل مع سياسة إدارية تجاه أنفسنا وأساتذتنا وطلابنا. كل هذه الامور تلعب دورها، ونحن نعتمد طريقة الحزم مع اللين والانضباط دون العسكرة بطبيعة الحال، اذ اننا نكافح من أجل تخريج طلاب على مستوى الرسالة التي عليهم إيصالها. بالطبع يؤدي مثل هذا الوضع الى تفاوت بين الحوزات، اذ هناك حوزات تستحق عشرة على عشرة، بينما هناك حوزات لا تتجاوز الواحد على عشرة وهذه أقرب ما تكون الى الدكاكين الصغيرة منها الى الحوزة العلمية، والاخيرة يجب أن تقفل أبوابها وتصرف طلابها، لأنها تسيء الى الحوزة والى العمامة التي تتولى إسباغها على طلابها أو متخرجيها.
يعتبر د. حمية ان الكفاءة التدريسية والادارية الغائبة عن الكثير من الحوزات مدخل الى مشكلات على مستوى الاداء ومستوى التعليم والفوضى في أعداد المتخرجين، وكل هذه أمور مضرة بالحوزة والوضع العام، عندما تخرج الحوزات الضعيفة طلابا على مستوى منخفض أو تتسرع بوضع العمامة على رؤوسهم دون التأهيل الكافي تسيء الى العلم والعمامة معا، وكم هناك من أعداد نشاهدها يوميا على هذا الصعيد.
أعداد فائضة؟
تطور عدد رجال الدين الشيعة في العقود الاخيرة الى ما هو غير مسبوق على صعيد الطائفة. كانت الحوزات القديمة ضعيفة القدرات، والامكانات، وكان عدد طلابها محدوداً، لأنها كانت بالأساس مرتبطة برجل دين واحد ومعه عدد من الاساتذة، وكانت تدرس كل شيء. من القراءة الى الحساب، الى النحو والصرف والقرآن وغيرها. وكانت الحوزة المحلية في الجنوب عبارة عن مدرسة دينية تقود الى النجف، وكانت الرحلة الى النجف غير متوفرة أو متيسرة للكثيرين. لكن الذين كانوا يعودون من رحلتهم العلمية هذه، يعودون علماء بالمعنى الفعلي للكلمة. أكثر الاسماء الكبرى التي عرفها الجنوب وما زال هي من هذا القبيل، الذي درس في النجف سنوات طويلة. الاوضاع العراقية خلال حكم صدام حسين في جانب وانتصار الثورة الايرانية في جانب آخر، وتهالك دور الدولة اللبنانية في ثالث وبروز الطوائف في سبب رابع... كل هذه فعلت فعلها في فورة تصاعدية تمثلت في الاقبال على التعليم الديني، خلاف ما هو عليه الوضع لدى طوائف اخرى. من العوامل التي تدفع لهذه الفورة اتساع الطلب، وهو طلب لا ينحصر بالساحة اللبنانية، بل يتجاوزه الى ديار الاغتراب، حيث ينتشر أبناء الطائفة في كندا وأميركا وأوروبا وافريقيا. ايضا وايضا فإن تراجع المد القومي واليساري لعب دوره عن هذا الصعيد. وهكذا تكاملت جملة أسباب مع بعضها بعضا، لتدفع أعدادا كبرى الى التوجه الى الحوزات والتخرج منها. يكفي فقط حضور أسبوع أو مناسبة دينية لتبيان العدد الكبير من رجال الدين، علما انه في السابق كان يقتصر الامر على حضور رجل الدين المحلي أو المجاورين في غالب الاحيان. فضلا عن عدد الحوزات وما تضمه من طلاب.
يرى الشيخ حسين الخشن انه بالتأكيد تضاعف عدد رجال الدين الشيعة في غضون العقد ونصف العقد المنصرمين، وان فترة الثمانينيات هي التي شهدت الاقبال الكبير على الحوزات بما لا يقاس مما كانت عليه سابقا، عندما كانت أعداد طلابها متواضعة. يعيد الشيخ الخشن السبب الرئيسي الى ظهور الاسلام السياسي على المسرح، والدور الجديد الذي بات يلعبه رجل الدين وفاعليته، مستندا الى دعوة من الواقع العام للقيام بهذا الدور. اذاً يربط الشيخ الخشن الفورة مع السبب السياسي والمجتمعي، ولكن لا أحد يستطيع تحديد عدد رجال الدين الشيعة الآن. هل هو ألف؟ ألفان؟ ثلاثة.. لا أحد يدري.
مع ذلك يعتقد الشيخ الخشن انه على الرغم من هذا الاقبال فإن العدد غير كاف للقيام بالشؤون التبليغية والدينية وإمامة الجمعة. يشير الخشن الى أن هناك نوعاً من أنواع الخلل في توزيع وتوزع رجال الدين الشيعة بين القرى والبلدات والمدن. اذ لو تحقق التوزيع العادل، لم يكن هناك من فائض، حتى ولو كان العدد يفوق الالف رجل دين في بلد مثل لبنان، اذ ان المهام متنوعة ومتعددة. وهو أمر طبيعي كما يراه، باعتباره يختلف عن تلك المرحلة التي كان فيها التوجه الى النجف أو قم أمرا متعذرا أو صعبا لدى الكثيرين. الآن بات بالامكان التخرج من لبنان أو سوريا، أو السفر الى ايران اذا تعذر قصد العراق للاسباب المعروفة. فالاستقرار السياسي والامني الذي عرفته قم مثلا أدى الى قصدها من جانب الكثيرين بدل اعتماد العراق كما كان عليه سابقا. قسوة النظام العراقي من جهة وانتصار الثورة الاسلامية وقيامها برعاية هؤلاء الطلاب عوامل ساهمت في التوجه نحوها، لكن لدى الحديث عن أعداد المتخرجين لا بد من عطف ذلك كله على قيام الحوزات في لبنان. رغم ما ذكرته عن بعضها. كلها عوامل لعبت دورها في «النهضة العلمية».
النجف أم قم؟
هناك من يشير الى نوعين من التشيع في لبنان، وصراع مستتر أو معلن بينهما. الاول وهو الذي يعود في مرجعيته الى النجف، باعتبارها «فاتيكان» الطائفة منذ قرون وقرون. والثاني وهو الذي يعتبر مرجعيته في قم التي يراها البعض عاصمته الدينية. ترتبط بالخيارين عوامل ثقافية بالتأكيد، إضافة الى المناخ العراقي ـ العربي والايراني الفارسي. خصوصا أن الطالب الذي يذهب الى ايران هو بأمس الحاجة الى دراسة وإجادة اللغة الفارسية. كما كان عليه الطلاب الذين يذهبون الى الدول الاشتراكية قبل انهيارها، ويتعلمون لغاتها ويدرسون على أساتذتها. بالتأكيد تضاءل دور النجف خلال حكم الرئيس صدام حسين الذي امتد الى ثلاثة عقود، ثم زاد الاحتلال الاميركي «الطين بلة»، وبات العامل الأمني حاضرا لدى أي خيار. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الوضع على هذه الصورة، ام ان الفعلي هو خلاف ذلك، لجهة حضور الفكر الشيعي بمصدريه في كل من النجف وقم على حد سواء؟ يجيب الشيخ الخشن قائلا: صحيح ان النجف ذات مناخ عربي بسبب البيئة العربية العراقية للمدينة والمدن العراقية، لكن علينا أن ننتبه الى ان عمالقة التعليم الديني الذين تولوا التدريس فيها كانوا في معظمهم من الايرانيين لا العراقيين، ايضا كان من بين الاساتذة من هم من أفغانستان. وكان هؤلاء الذين لا يجيدون الالقاء بالعربية يقدمون دروسهم بلغاتهم، ولم ينظر أحد الى ذلك على انه غريب. أنا من الذين درسوا في قم، وهناك الكثير من الاساتذة العرب الذين يعلمون في حوزاتها، ولم يطلب أحد منهم أن يتولى التدريس بالفارسية. هذا لا يمنع من القول ان معظم الدروس تتم بالفارسية. ايضا الطالب الذي يخرج من الحوزة الى السوق عليه ان يتفاهم ويتواصل مع الآخرين بالفارسية. لكن معظم الكتب هي كتب عربية، فكتب الفقه والاصول هي بالعربية ونادرا ما تجد كتابا بغير هذه اللغة. العربية تتمتع بموقع لا يبارى في علوم الفقه، لذلك حتى في قم هي الاساس.
يستنتج الشيخ الخشن على ضوء عدد من أسماء العلماء الذين يذكرهم في كل من النجف وقم ان ليس صحيحا القول ان هناك حوزة فارسية وحوزة عربية، اذ هناك أساتذة ايرانيون يتولون التدريس بالعربية ويحنون الى النجف، وهؤلاء بالعشرات. كما هناك أساتذة عرب كبار يدرسون أحيانا بالعربية أو الفارسية تبعا للمادة، لكن الاصول والفقه والحديث وغيرهما من الاصول في الأعم تدرس بالعربية. يختم بالقول: لا أثر للصراع في الحوزة سواء كانت في النجف أو قم، كل ما يطغى هو حصيلة المناخ السياسي السائد وليس حصيلة هذه المؤسسة التعليمية سواء كانت في العراق أو ايران. علما انه لا يمكن المقارنة بين الاوضاع في كل من العراق وايران، والاخيرة تشهد بالتأكيد نهضة علمية ومؤسساتية واسعة تتوفر لها الامكانات الكبرى على صعيد مدن الطلاب والمدارس والحوزات ودور النشر والكتب والمطبوعات والمساعدات وما شابه.
 

على الولايات المتحدة منع قيام حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله..

 الأربعاء 25 أيلول 2024 - 12:53 م

على الولايات المتحدة منع قيام حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله.. في الأسبوع الماضي، وبعد أحد عشر ش… تتمة »

عدد الزيارات: 171,633,192

عدد الزوار: 7,640,480

المتواجدون الآن: 0