محكمة لبنان: الضربة المقبلة في دمشق

تاريخ الإضافة الجمعة 8 أيار 2009 - 7:30 ص    عدد الزيارات 742    التعليقات 0

        

"أكد مسؤولون دوليون معنيون مباشرة بملف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه لجهات غربية واوروبية رسمية ان عمل المحكمة الخاصة من اجل لبنان مستمر الى النهاية لأن لجنة التحقيق الدولية تملك من الادلة والمعلومات والوثائق ما يتيح لها القيام بمهماتها لكشف الحقيقة. وشددوا على ان قضاة المحكمة ملتزمون امام اللبنانيين والمجتمع الدولي، في ظل الرعاية الدولية المستمرة لعمل هذه المحكمة، محاسبة ومعاقبة منفذي هذه الجريمة الارهابية الكبرى وجرائم سياسية اخرى شهدها لبنان خلال السنوات الخمس الماضية. واوضح هؤلاء المسؤولون الدوليون ان اطلاق الضباط الاربعة اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان كان ضروريا في هذه المرحلة من الناحية القانونية في ضوء المعلومات التي يملكها حاليا المدعي العام دانيال بلمار، وان هذا القرار يظهر بوضوح تام مدى استقلالية المحكمة. لكن المسؤولين الدوليين شددوا ايضا على ان اطلاق الضباط سيدعم جهوداً دولية تبذل حالياً سراً مع نظام الرئيس بشار الاسد لدفعه الى التعاون الجدي مع المحكمة الدولية واستجابة مطالبها المتعلقة بضرورة مثول شهود او متهمين سوريين امام هذه المحكمة حين تدعو الحاجة".
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس، واوضحت "ان الضربة المقبلة للمحكمة بعد الافراج عن الضباط ستكون في دمشق، لان سوريا معنية بقضية الحريري اكثر من اي دولة اخرى خارج لبنان".
وذكرت "ان موقف حزب الله السلبي من المحكمة ليس جديدا بل هو استمرار لمحاولات حلفاء دمشق رفع الحماية الدولية عن اللبنانيين ومنع تحقيق العدالة فعلا لان الاغتيالات استهدفت كلها شخصيات سياسية ووطنية واستقلالية معادية للهيمنة السورية، ولان جريمة اغتيال الحريري هي اساسا جريمة سياسية كبرى تدخل في اطار الصراع الحاد على مستقبل لبنان ومصيره بين القوى الاستقلالية والنظام السوري الذي يرتبط به هؤلاء الضباط". لكن المسؤولين الدوليين شددوا ايضا خلال اتصالاتهم العربية والاوروبية على الامور الاساسية الآتية:
اولا، ان الضباط الاربعة لم يكونوا وليسوا الوحيدين المشتبه في تورطهم بجريمة الحريري لكونهم القادة الابرز في النظام الامني – الاستخباراتي اللبناني – السوري المشترك الذي حكم هذا البلد سنوات طويلة وكان في حال عداء مع رئيس الوزراء الراحل بسبب توجهاته الاستقلالية السيادية، بل ان ثمة شبهات قوية على تورط مسؤولين واشخاص آخرين في لبنان وخارجه في هذه الجريمة يتوقع ان يوجه المدعي العام بلمار الاتهام اليهم في الوقت الملائم في ضوء المعلومات والادلة التي يملكها.
ثانيا، ان اطلاق الضباط الاربعة لم يضعف عمل المحكمة بل يعزّزه، لأن هذا القرار لمصلحة العدالة، ولانه يؤكد حيادية المحكمة واستقلاليتها عن الحسابات السياسية. وتثبت هذه المحكمة فاعليتها باعمالها وقراراتها المقبلة وليس بالكلام والبيانات. ومن الضروري ان يتعامل اللبنانيون مع قرار اطلاق الضباط على هذا الاساس، وعلى انه حلقة من حلقات عملية البحث عن الحقيقة ومعاقبة المتورطين في هذه الجريمة وفي جرائم سياسية وارهابية اخرى.
ثالثا، ان تشكيل هذه المحكمة ضد ارادة النظام السوري وحلفائه خطوة استثنائية في تاريخ لبنان والشرق الاوسط، اذ انها المرة الاولى التي يتخذ فيها مجلس الامن قرارا بتشكيل محكمة خاصة مكلفة النظر في جريمة اغتيال شخصية سياسية كبرى وفي جرائم سياسية اخرى مرتبطة بها، مما يعكس حرصا دوليا على هذا البلد وتصميما على منع قوى اقليمية من الهيمنة عليه مجددا. لذلك فإن تمسك اللبنانيين بالمحكمة الدولية وايمانهم المستمر بها وثقتهم بقضاتها امور ضرورية لكي يشعروا بالاطمئنان وبان ثمة حماية دولية لهم، اذ ان استمرار عمل المحكمة في ظل الدعم الدولي والعربي القوي والواسع لها يشكل في ذاته رسالة قوية موجهة الى الذين يريدون استخدام منهج الاغتيالات السياسية لمحاولة فرض مطالبهم وشروطهم على لبنان ولتقليص استقلال هذا البلد وسيادته.

 

الثقة بعمل المحكمة

واكدت المصادر الديبلوماسية الاوروبية المطلعة على ملف هذه القضية ان مجموعة عناصر وعوامل اساسية تعزز فعلا الثقة بعمل المحكمة الدولية وبنتائجها وهي الآتية:
1 – ان بان كي – مون الامين العام للامم المتحدة المكلف من مجلس الامن متابعة ملف التحقيق والمحكمة، اتخذ قرارا ببدء عمل المحكمة في مطلع آذار الماضي بعدما تشاور مع المدعي العام بلمار واطلع منه على ما يملكه من معلومات وادلة ومعطيات تتعلق بجريمة الحريري وبجرائم اخرى. ولو ان بان اكتشف ان ملف بلمار فارغ وانه ليست لديه الادلة والمعلومات الكافية لإطلاق عمل المحكمة في هذا الوقت بالذات، لكان اتخذ قرارا بتأجيل بدء عمل المحكمة الى السنة المقبلة. ولو ان بلمار ادرك ان ملف التحقيق الدولي في جريمة الحريري فارغ او خال من الادلة والمعلومات لكان احاط مجلس الامن علما بذلك لانه مسؤول امامه، ولكان تخلى عن مهمته او طلب اغلاق ملف جريمة الحريري لان لجنة التحقيق فشلت في مهمتها ولم تتوصل الى اي نتائج ملموسة. لكن ما حدث هو العكس تماما.
2 – بلمار تحدث بدقة، سواء امام مجلس الامن حيث قدم تقريريه الاخيرين اليه، او في مقابلاته مع وسائل اعلام مختلفة، تحدث بدقة عن مسائل عدة تتعلق بجريمة الحريري مما يعني انه يملك معلومات وادلة محددة تسمح له باعتماد الدقة. اذ قال ان لجنة التحقيق الدولية تملك اكثر من سبعة آلاف دليل جنائي تتعلق بجريمة الحريري، وانها تملك ادلة تؤكد ان "دوافع اغتيال الحريري سياسية" مما يعني ضمنا انها ناتجة من الصراع السياسي بينه وبين نظام الاسد. وقال بلمار ايضا ان مرتكبي هذه الجريمة "ليسوا اشباحا بل انهم ينتمون الى شبكة منظمة ومحترفة" ان ثمة احتمالا بانتمائهم ايضا الى مؤسسة حكومية. واكد كذلك ان لجنة التحقيق حصلت على معلومات جديدة عززت استنتاجاتها بوجود ارتباط بين بعض افراد الشبكة التي اغتالت الحريري وهجمات واغتيالات اخرى شهدها لبنان، مما يعني ان عمل هذه الشبكة استمر بعد توقيف الضباط الاربعة في آب 2005.
3 – حرص بلمار على ان يوضح بنفسه، وفي بيان رسمي اصدره، اسباب القرار الذي اتخذه بالمطالبة باطلاق الضباط الاربعة، اذ انه رفض القول ان هؤلاء لم يعودوا مشتبها فيهم بل اكد انه يطلب اطلاقهم "نتيجة عدم كفاية الادلة في الوقت الحالي". وشدد على ان "التحقيق اوسع من قضية الضباط الاربعة، وان هذا التحقيق لا يزال مستمرا"، وان "على الضباط ان يدركوا انني سأطلب احتجازهم واتهامهم في حال اشار احد خيوط التحقيق اليهم استنادا الى ادلة موثوق بها".
والملفت للانتباه في هذا المجال ان نائب رئيس المحكمة الدولية القاضي اللبناني رالف رياشي اكد في مقابلة صحافية قبل ايام من اطلاق الضباط انه "يجب عدم بنيان نتائج قانونية على اطلاق المحتجزين، اذ ان ثمة اشخاصا يتم اخلاء سبيلهم ثم يتبين لاحقا تورطهم. ان تخلية السبيل لا تعني قرارا نهائيا".
ووفقا لديبلوماسي اوروبي مطلع: "يجب اعتماد الحذر الشديد في هذه القضية، اذ ان المحكمة الخاصة بلبنان لم تصدر قرارا بتبرئة الضباط الاربعة نهائيا كما انها لم تصدر قرارا حاسما يتعلق بجوهر قضية جريمة الحريري".
4 – شدد بلمار في مناسبات عدة امام مجلس الامن على انه "واثق من جلاء الحقيقة" في قضية الحريري، وانه لم يتسلم ملف هذه القضية لكي يفشل. وقال في البيان الذي اصدره يوم تخلية الضباط: "لو ظننت ان هذه القضية لن تحل لكنت اول من يقول ذلك".
ويتفق رئيس المحكمة القاضي الايطالي انطونيو كاسيزي في الرأي مع بلمار، اذ انه اكد في مقابلة صحافية اجريت معه اخيرا انه "واثق من ان المحكمة ستضع حدا للافلات من العقاب في الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان".
وقال: "ان العدالة ستتحقق وان مرتكبي الجرائم سيتم اكتشافهم وستتم محاكمتهم".
5 – اكد بلمار في تقريره الاخير الى مجلس الامن ان لجنة التحقيق اجرت اتصالات مع عدد من الدول لتأمين الحماية لعدد غير محدد من الشهود الذين سيمثلون امام المحكمة لتقديم ما لديهم من معلومات وادلة عن جريمة الحريري وعن جرائم اخرى. ولو ان التحقيق لم يحرز "تقدما مهما وكبيرا"، وفقا لما اكده بلمار، لما كانت الاتصالات جرت في هذه المرحلة لتأمين الحماية للشهود.

 

خياران أمام نظام الأسد

6 – للمرة الاولى يعلن رئيس المحكمة القاضي كاسيزي انه ينوي توقيع اتفاقات تعاون قضائي مع سوريا ومصر والاردن وايران وتركيا لكي تتمكن المحكمة من الاستماع الى الشهود ومن استجواب المشتبه فيهم "بطريقة تراعي سيادة الدول". كما ينوي توقيع اتفاقات تعاون قضائي مع دول اجنبية يعيش فيها كثير من اللبنانيين كفرنسا والبرازيل والارجنتين وفنزويلا واوستراليا. وقال بوضوح انه سيزور دول المنطقة المعنية بالامر وعلى رأسها سوريا للاجتماع بالرئيس بشار الاسد ومطالبته بالتعاون مع المحكمة. وهذا تطور بالغ الاهمية. ووفقا لما قاله لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع: "ان طلب كاسيزي هذا يضع النظام السوري امام احد خيارين: اما توقيع اتفاق التعاون القضائي مع المحكمة مما يجعله قانونيا ملزما بالتعاون الجدي معها وتقديم الشهود والمتهمين السوريين المطلوبين للمحكمة، واذا لم يفعل ذلك فان مجلس الامن سيتدخل حينذاك لمطالبة السوريين بالتعاون وقد يتخذ اجراءات ضدهم في حال عدم التعاون. واذا رفض النظام السوري توقيع اتفاق التعاون القضائي مع المحكمة فسيجد رئيس المحكمة كاسيزي نفسه مضطرا لإطلاع مجلس الامن على هذا الموقف السوري السلبي الذي سيعكس تهربا من التعاون مع المحكمة لكشف الحقيقة. وسيتحمل مجلس الامن حينذاك مسؤولياته لانه هو الذي انشأ المحكمة بقرار صادر عنه في ايار 2007 استنادا الى الفصل السابع ويحمل رقم 1757. وفي اي حال فان النظام السوري لن يستطيع التهرب من المحكمة الدولية ومن متطلباتها والا فانه يدين نفسه بنفسه حينذاك".
واضاف: "ان القاضي كاسيزي يريد ان يعتمد مع النظام السوري منهج الديبلوماسية الناعمة الذي يعتمده الرئيس باراك اوباما لتحقيق اهدافه. اي ان رئيس المحكمة سيبذل اقضى جهده لإقناع الاسد بأن المحكمة مستقلة وحيادية، والدليل على ذلك اطلاق الضباط الاربعة، ولذلك فمن مصلحة سوريا التعاون مع المحكمة وتلبية طلباتها، ولكن اذا رفض الأسد التعاون مع رئيس المحكمة فلن يستسلم للامر الواقع بل سيلجأ حينذاك الى مجلس الامن ليطلب مساعدته وتدخله لدى الرئيس السوري لان المجلس هو المرجعية الدولية الشرعية العليا للمحكمة".
وعلق هذا الديبلوماسي المعني بملف المحكمة على ما يردده بعض اطراف المعارضة اللبنانية من ان اطلاق الضباط الاربعة تم نتيجة "صفقة ما" وذلك لدفع القوى الاستقلالية الى التخلي عن المحكمة فقال: "ان الدول الكبرى المعنية بالامر لن تعقد اي صفقة مع النظام السوري تؤدي الى وقف عمل المحكمة او تضعف دورها ومهمتها لان مثل هذه الصفقة تتعارض مع مصالحها واهدافها الحقيقية، اذ ان اي صفقة كهذه تعني اعطاء الضوء الاخضر لمواصلة مسلسل الاغتيالات السياسية وعمليات التخريب في لبنان ودول اخرى، ولانها تهدد مصير هذا البلد المستقل لمصلحة قوى متشددة متحالفة مع ايران التي هي في حال مواجهة مع اميركا ومع الدول الغربية عموما ومع الدول العربية المعتدلة. ومن الناحية العملية ليس ممكنا ان تعقد اي دولة ومجموعة دول صفقة سرية مع النظام السوري حول المحكمة من دون الحصول على موافقة مجلس الامن الصريحة مما يؤدي في حال حدوثه الى تفجير فضيحة سياسية كبرى تطول هذه الدول مما يؤثر سلبا على دورها وصدقيتها وعلى مقدرتها على التعامل بفاعلية مع السوريين والايرانيين وحلفائهم.
ان سائر الدول المعنية تنصح للنظام السوري بالتعاون مع المحكمة وليس بالتهرب منها".

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,389,610

عدد الزوار: 7,630,649

المتواجدون الآن: 0