الشيعية السياسية تكرّر المارونية السياسية

تاريخ الإضافة الأربعاء 27 أيار 2009 - 7:09 م    عدد الزيارات 722    التعليقات 0

        

أحمد جابر    
لم تشكل مناسبة إطلاق "الضباط الأربعة"، محطة مراجعة لبنانية، لإعادة إنتاج التوافق، وبنائه، بناءً متدرجاً، من مداخل متعددة. ليست هي القضية الأولى، التي يفوّتها اللبنانيون، المتنازعون على كل شيء. فلقد سبق أن أضاعوا فرصاً مهمة، منها: الانسحاب الإسرائيلي من الأرض اللبنانية المحتلة، واغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج القوات السورية من لبنان... لقد كان من شأن تلك الأحداث، المفصلية، أن تساهم فعلاً، في إطلاق موجات نقاش، وأن تنعقد حولها جلسات مصارحة، وأن تفتح باب الرجاء، على إمكان التوصل إلى صياغات تسووية، تعيد تظهير صورة الحكم اللبناني، وتضع الآليات المناسبة لإدارة خلافات أفرقائه، إدارة هادئة، سلمية وطويلة النفس. ما عاش في كنفه اللبنانيون، كان معاكساً لكل تلك التوقعات التفاؤلية، وما ثبت، هو أن الطوائفيات الأهلية، فاقدة لسوّية ابتكار التسوية، وعاجزة عن الدق على أبوابها، لذلك "فإن فاقد الشيء لا يعطيه".
استقامة نقاش "الطوائفيات الأهلية"، يلزمها الجهر دائماً، وكمقدمة لكل كلام، أن مصطلح الأكثرية، مثله مثل مصطلح المعارضة؛ فاقدٌ لمعناه، والأصح الحديث، دائماً، عن فريقي السلطة، اللذين تشاركا، "بالتضامن والتكافل"، في ما وصل البلد إليه، وفي هذا المقام، نكاد نقول أنه "في المأتم الوطني اللبناني"، يتشابه "من بكى مع من تباكى"... وإن اختلفت نبرة "النادبات"، أو تنوعت "قصائد مراثيهن".
يشكل فهم وضعية، الطوائفيات الأهلية، حاجة ملحة، في الظرف اللبناني الراهن، لأن الفهم مرتبط، ارتباطاً وثيقاً، بمضمون الخطاب الاعتراضي، الذي يجب إشهاره، في وجه الأهلي السائد، وعلى علاقة عضوية، بالمسلك المعارض، الذي يجب التأسيس له... هذا إذا أريد للبنانيين، أن يخرجوا من نفق "الكارثية الأهلية"، الذي تقيم الطوائفيات في عتمته القاتلة.
تسليط الضوء على فريق السلطة "المعارض"، في هذه المقاربة، لا يعفي من وضع الفريق الآخر، "الأكثري"، في "عين التحليل"، وتعريض أمور "الشيعية السياسية"، مجدداً، للتفكيك، سيظل على تواصل، واتصال بنيوي، مع تفكيك أوضاع وخطب "الطوائفيات السياسية" الأخرى... هذا على سبيل "النهج"، لكن ما الذي يمكن الذهاب إليه، على صعيد صورة "الشيعية السياسية"، المحددة؟
تشكل "الشيعية"، عماد فريق السلطة المعارض، فهي قوته، وهي خطابه، وهي جمهوره، وهي استعصاؤه... وما سوى ذلك ملحقات. صفة "ملحق"، لا تلغي الأوزان المتفاوتة، لهذا "الرجل السياسي"، أو ذاك، لكنها تدل، بوضوح، على حقيقة التأثير في خطاب "الشيعية"، وعلى القدرة على تحويره أو تعديله، أو تدوير زواياه الحادة، وعلى تقرير خياراته ووجهة سيره.
هذا كله، من الأمور التي لا يملك صف المعترضين حيالها شيئاً، وهو، بهذا المعنى، "هامشي"، لأن مقدرات القوة موجودة لدى غيره، وإن كان يملك من "الجمهور المحبذ"، أعداداً غير قليلة. كخلاصة: تقول الوقائع، إن "الشيعية"، بقيادة الوزن الحاسم لـ"حزب الله"، قررت وجهة التطورات، منذ إنجاز تحرير الأرض اللبنانية في العام ألفين، وحتى اليوم. أما المهادنة، التي لجأت إليها "الشيعية"، إثر غياب الرئيس رفيق الحريري، وبعد تداعيات ذلك الغياب، فقد كانت موقتة، وعاشت حتى عشية حرب تموز، عام 2006، عندما استعاد خطاب "الشيعية السياسية"، نبرته الهجومية، ومسلكه المتشدد.
لم تخالف "الشيعية" منطق أقرانها من "الأهليات" الأخرى، فاتخذت من كل مناسبة ذريعة لانقسام داخلي، إضافي، وعلى مسلك غالب، خالف عملها أقوالها، لذلك بات للمصطلحات السابقة، واللاحقة، وما تعد به، هذه القوة الأهلية، معاني مخالفة لمعانيها الأصلية. على سبيل المثال: تؤطّر الشراكة، كما ينطق بها ممثلو الشيعية، اليوم، ضمن بنود مقيدة، تحيلها: إلحاقاً، وتفسر "الديموقراطية التوافقية"، بعبارات وشروح، تجعلها: إلغاءً، أو استبعاداً، ويغدق على "لبنان الوطن"، تعليل مطول، يحوله إلى "لبنان الخاص"، الذي تعرفه شريحة أهلية، فيما لا ترى الشرائح الأخرى، ظلالها في مرآته!!
مع اختلاف الزمان الأهلي والسياسي، ومع انتقال الموقع الديموغرافي، تكرر الشيعية السياسية، مسلك المارونية السياسية، شريكتها في "البلد"، في التصلب وفي الانغلاق، اللذين أديا، في الماضي، إلى اشتعال الحرب الأهلية، واللذين يهدد، ركوب مركبهما، باستعادة صور من هذه الحرب، بصورة ساخنة، بعد أن طال أمد الاشتباكات الأهلية... "الباردة".  لكن التمييز بين موارد "الطوائفيات الأهلية"، أي بين مصادر قوتها، التي تتيح لها ادعاء النطق باسم "المصالح اللبنانية العامة"، مطلوب. فعلى صعيد المارونية السياسية، أمكن لخطابها وحركتها الجمع بين المستويات المختلطة، سياسياً واجتماعياً... وحتى اقتصادياً. لقد جمعت المارونية السياسية، في خطابها المتضمن "فذلكة هيمنتها"، الغابرة، بين جوانب التحديث والتقليد، وبين المستويات المدنية والأهلية، وبين قدر من الانفتاح الخارجي، ومقادير من الانغلاق الداخلي، وبين الوقوف عند خطوط "النظام"، الحمر، وبين لحظات من أضاء "إشارات المرور" الأهلية، الخضراء... بشيء من التصرف، يمكن القول، إن الهيمنة المارونية، السياسية، لم تكن كلها عارية، بل ثمة أغلفة "من حرير"، غطت الكثير من تشوهاتها البنيوية.... بالمقارنة مع ما سلف، تنتسب موارد الشيعية السياسية، ودائماً الحالية، إلى عوامل قوة مغايرة. فما يقدم "للبلد"، خطاب أحادي الجانب، متوتر ومنغلق، مكتفٍ بذاته، ولا يفرد مساحة لقاء، إلاّ "للأشباه أو الأتباع". تشكل القوة المسلحة قاعدة الخطاب ومتنه، ويحكم هاجس الاحتفاظ بتفوق القوة المسلحة، الشطر الأوسع من المسلك العملي، للشيعية السياسية. منطلقات كهذه تظهر التناقض بين تاريخ الشيعية السياسية وواقعها الراهن. لقد اجتهدت "الشيعية"، في ميادين كينونتها ومعاني لبنانيتها وعروبتها... سابقاً. الاجتهاد، اليوم، ممنوع عمليا، والمسموح به، هو ذلك الذي لا يخدش صفاء "الانتظام" الأهلي، الشيعي العام. لقد نهضت "الشيعية"، بخطابها الأصلي، وبالفروع التي توزعت بين الأحزاب الوطنية، ومؤسسات "المجتمع المدني"... نهضت كقوة تجديد، وأضاف وزنها الاقتصادي إلى مداميك البلد، ما أهّلها للمطالبة بالشراكة، التي تناسب حجمها، في إدارة الشأن الوطني العام. تظهر "الشيعية" اليوم، كقاطرة جر إلى الخلف، عندما تلغي التمايزات ضمنها، وعندما تساهم بقدر عال من النشاطية، في هندسة الاصطفاف الأهلي العام، وعندما تتصدى "للجديد"، بالموروث، وعندما تشارك، مع قريناتها في البلد، بتعطيل "رحابة العقل"، والهروب إلى سجن "الأقوال والنقل"... على وجه الإجمال، تستبدل الشيعية الحالية، قديم مطلبها، الحق، بالمشاركة، بجديد طموحها، المستحيل، إلى الهيمنة. وهذا ما يدفع إلى القول، إن هذه "لعبة خطرة" إذا ما جرى الاحتكام إلى ظروف
"الوضعية اللبنانية"... وتاريخها الصعب، والمعقد.
تحتاج الشيعية، كما كل "الأهليات"، إلى تفكيك من داخلها، وهذا ما يجب أن ينصرف إليه، رجال الدين والدنيا، لإعادة تأسيس "الحالة الشيعية"، على قواعد الموضوعية، والتطلع المشروع، بعيداً من خطب البلاغة اللفظية، وطموحات "الانتفاخ" غير المشروع.
وتتطلب عملية التفكيك، لكل البنية القائمة، والشيعية من ضمنها، خطاباً من خارجها، يكون وطنياً وما فوق أهلي، مما يسهل لـ"مدنية" كل عصبية أهلية التبلور، ومراكمة القوى اللازمة لتمكينها. التغيير الحقيقي، الذي يذهب نحو وطن حقيقي، يبدأ من خطوة رفض السائد ومقارعته، أما وضعية الضعف، والوهن، التي باتت ملازمة لـ"القوى العابرة" للطوائف، فإنها تشكل مبرراً لتواضع الخطط والبرامج والخطوات التمهيدية المطلوبة، لكنها لا تبرر إطلاقاً، النكوص، أو المهادنة، أو الالتحاق بالسائد بسبب العجز عن مقارعته.
بعد ذلك لا بد من القول، إن اللبنانيين، سيكونون يوم الثامن من حزيران، على موعد مع مأزق وطني عام آخر، وأمام استئثار فئوي آخر، وأمام حصيلة محاصصة متخلفة كثيراً عن سابقاتها... مما لا ينفع في تمويهه "طبل الديماغوجيا" الطائفية والمذهبية، ولا يغطي عليه "زمرها".

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,389,823

عدد الزوار: 7,630,659

المتواجدون الآن: 0