الإعتدال السني يخاف أصوليي السنّة !

تاريخ الإضافة الجمعة 29 آب 2008 - 8:38 ص    عدد الزيارات 1362    التعليقات 0

        

سركيس نعوم

الاصوليون السنّة في لبنان ليسوا تياراً واحداً ولا فريقاً واحداً. لكن بعضهم عريق في تاريخه اللبناني والعربي بل والاسلامي عموماً مثل "الجماعة الاسلامية" التي يعتبرها المتخصصون بتاريخ الاسلاميين فرعاً لـ"الاخوان المسلمين" التي كانت نشأتها الاولى في مصر الخديوية. وبعضهم الآخر حديث السن والنشأة والتاريخ والتجربة والعدد لا يربط بين اطرافه الكثيرين سوى عنوان الاسلام الاصولي ومقاومة الاسلام المعتدل وخصوصاً على الساحة السنية ومحاولة استحقاق تأييد غالبية السنة في لبنان بعد الذي تعرضوا له على ايدي "حزب الله" و"جمهوره" من طريق تصوير انفسهم (وربما كل منهم بمفرده) انهم الاقدر على حمايتهم. 
والاصوليون السنّة اللبنانيون هؤلاء يتغذون من مصادر دعم عدة ابرزها ثلاثة ليس بينها على الاقل في المرحلة الحالية إلا التناقض وربما العداء الذي قد يتطور الى تقاتل. المصدر الاول للدعم هو التيارات الاسلامية الاصولية التي خرجت على الجهات التي اطلقتها فتطرفت في ايديولوجيتها الدينية – السياسية ووضعت نفسها في حال حرب شعواء مع هذه الجهات لهدف اسقاطها انظمة ومؤسسات حكم رغم اسلاميتها واقامة انظمة بديلة منها قد يكون التكفير وللجميع البند الاول في استراتيجيتها. ويشكل تنظيم "القاعدة" الذي اسسه اسامة بن لادن الملهم او ربما القائد لكل التيارات الاصولية السنية اللبنانية الحديثة سناً وخبرة. والمصدر الثاني للدعم هو الدول العربية السنية في غالبيتها والداخلة في "كباشات" عدة مع الاصولية الشيعية على مستوى المنطقة والعالم الاسلامي ممثلة بالجمهورية الاسلامية الايرانية ومع حلفائها الاقليميين وفي مقدمهم سوريا بشار الاسد ومع المنظمات التي انشأتها الاولى وتعهدت رعايتها الى الآخر ووفرت لها الثانية الحماية والاخرى التي نشأت بفعل ظروف اخرى والتي وجدت في ايران وسوريا مصدرين للدعم والرعاية والحماية عند الحاجة. وفي مقدم هذه المنظمات على اختلافها "حزب الله" في لبنان وحركتا "حماس" و"الجهاد الاسلامي" في فلسطين. فالدول العربية المشار اليها، وفي مقدمها العربية السعودية، تعتبر نفسها معنية بحماية لبنان من "ايرانية" "حزب الله" فيه التي تكاد تطغى عند غالبية الشيعة اللبنانيين وتالياً بحماية السنة وغيرهم من اللبنانيين غير المسلمين الذين يرون ان استراتيجيا ايران وسوريا هي اقامة دولة موالية لهما في لبنان قائمة على اساسات شيعية اولها "حزب الله" ولا مكان فعلياً فيها لـ"الشعوب اللبنانية" الاخرى. وهذا امر يشكل خطراً عليها لانه يكرس سيطرة ايران على كل المنطقة العربية ويمهد لاحقاً لسيطرتها على الخليج كله مع ما يعنيه ذلك من تهميش لكل العرب الآخرين. اما المصدر الثالث للدعم فقد يكون سوريا رغم ان بينها وبين الاصوليات الدينية وفي مقدمها الاسلامية وتحديدا السنية من التــنــاقضات والعداء والتقاتل الكثير، والهدف من هذا الدعم استعمال بعض التيارات الاصولية الصغيرة والحديثة النشأة من اجهزة المخابرات فيها بغية تنفيذ استراتيجيا سياسية وامنية تحقق لكل منها فوائده ومكاسبه. وهو دعم  قد تشارك فيه ايضاً جهات مخابراتية اخرى غير سورية، بعضها اقليمي وبعضها دولي، لان هذا النوع من الجهات الاصولية يبقى جاهزاً للتعاون المخابراتي بسبب الخلفيات المتنوعة لقادته وخصوصاً ان معظمهم عمل في لبنان او مع الفلسطينيين على مدى 30 عاماً نصفها كان حرباً ونصفها الآخر كان سيطرة سورية على لبنان جعلت كثيرين يتعاملون مع دمشق مُرغمين في انتظار ظروف افضل.
كيف ينظر السنة العاديون في لبنان، اي المواطنون، الى التيارات السلفية والاصولية السنية المتنوعة واحياناً المتناقضة العاملة في بلادهم والساعية الى استقطابهم؟
التطرف يغذّي التطرف. والاصولية تغذي الاصولية. وبهذا المعنى يمكن القول ان الاصولية الشيعية، التي ساهمت بداية من طريق ايران الاسلامية في مساعدة الاصولية السنية على النشاط والعمل والتمدد، صارت العامل الاول الذي دفع هذه  الى توفير كل اسباب القوة سياسياً ودينياً وشعبياً ومادياً وتسليحياً وذلك لمواجهة الاولى وخصوصاً بعدما نجح عمودها الفقري "حزب الله" في اقامة دولته القوية داخل دولة لبنان وبدأ يعمل بثبات للسيطرة على الدولة اللبنانية الضعيفة او لإقامتها على النحو الذي يريد مع المحافظة على بعض المظاهر. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول ان كثيرين من السنة صاروا يرون في هؤلاء الاصوليين سنداً لهم وحماية بعدما وجدوا ان تياراتهم المعتدلة التي اولوها ثقتهم لم تستطع ذلك لانها اساساً لم تكن ميليشيات ولم تؤمن بالسلاح. لكن اللافت ان كثيرين من اهل الاعتدال السني الذين يرفضون "حزب الله" وسياساته، رغم تقديرهم له سابقاً لمقاومته اسرائيل بنجاح، بدأوا يلفتون بعد اجراء مقارنة بين اصولييهم واصوليي الشيعة الى ان اصولييهم غير قابلين للاحتمال وان العيش معهم سيكون صعباً. فأصوليو الشيعة عندهم تنظيم ودولة وقيادات ومراجع يمكن البحث معها. وعندهم ايضاً نوع من الفكر الاجتهادي، وإن موظفاً الآن لخدمة الايديولوجيا الدينية الايرانية، فضلا عن انهم اقلية في العالم الاسلامي الامر الذي يجعلهم يميلون الى التسويات عند تعذر فرضهم استراتيجياتهم او  تيقّنهم ان محاولة فرضها بالقوة ستجر عليهم الويلات والخراب. في حين ان أصوليي السنة يكفرون الجميع وينشئون دويلات في كل حي خالية من أي تنظيم. وهذه الامور بدأ غير المسلمين من اللبنانيين يفكرون فيها. وربما كانت هي احد ابرز دوافع التحالف بين جهة مسيحية مهمة وفاعلة جداً مع اصوليي الشيعة في لبنان. وربما كان "تعاون الاقليات" نقطة انطلاق لتعاون كهذا. وربما كان ذلك هو السبب الذي دفع ولا يزال يدفع اجهزة اعلام هذين الفريقين وحلفائهما الخارجيين في لبنان الى تسليط الضوء على اخطار الاصوليين السنة وعلى تكفير كل من ليس منهم وعلى استعدادهم لاقامة الحد او الحدود على الجميع ولمحاربة الجميع.
هل من معالجة ممكنة لهذا الواقع؟
المعالجة السهلة غير متوافرة. والمعالجة المعقدة لا تبدو ظروفها ملائمة الآن (تفاهم اميركا وايران وسوريا او كسر الاولى لهما عسكرياً، تفاهم سوريا واسرائيل او نشوب حرب بينهما، ازالة التوتر السعودي – السوري او تغلّب اي منهما على الآخر، قيام مصر بدورها التاريخي عربياً ودولياً واسلامياً او بقاؤها مشلولة بسبب خوفها من اسلامييها على نظامها وربما على خلافة الرئيس مبارك، وهو تردد لم يكن موجودا ايام الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وانور السادات). تبقى معالجة واحدة هي ادراك "الشعوب اللبنانية" انها كلها ستدفع ثمن الوضع الحالي غير المستقر لوطنها وانفتاحه على العنف الديني والطائفي والمذهبي الذي يعمل له كثيرون. والثمن قد يكون اليأس الاخير للعالم منه ونفض يده منه والتسليم اما بتقاسمه بين جاريه اسرائيل وسوريا واما بإيكال امره الى الاخيرة. ومن يراقب بدقة ما يجري حالياً يلاحظ ان الرئيس بشار الاسد يحاول ان يكرر تجربة والده الراحل عام 1976 اولا من خلال توفير ارضية لبنانية مطالبة بتدخله للحماية من الابادة، وثانياً من خلال توليد اقتناع اقليمي ودولي بأن من دون تدخله ستخرب المنطقة اكثر مما هي خربة.

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,930,923

عدد الزوار: 7,651,276

المتواجدون الآن: 0