تقارير...مؤتمر هرتزليا 2012.. نقاشات إسرائيلية حول تداعيات صعود الإسلاميين في المنطقة العربية...إيران تستعرض عضلاتها: بوارج في المتوسط ... تحمي سوريا...ملاحظات على مشروع الدستور السوري الجديد

أسوأ تدهور في العلاقات الأميركية - المصرية منذ معاهدة كمب ديفيد....النزف المسيحي من تركيا إلى مصر: هل عاد زمن الذمية؟...معنى العراق.. شرطنا المسيحي

تاريخ الإضافة الثلاثاء 21 شباط 2012 - 7:30 ص    عدد الزيارات 2540    القسم دولية

        


 

مؤتمر هرتزليا 2012.. نقاشات إسرائيلية حول تداعيات صعود الإسلاميين في المنطقة العربية
جريدة اللواء..بقلم سعيد عكاشة          
«لم نعد نرى شرق أوسط جديدا، بل شرق أوسط مختلفا».. هكذا لخص داني روتشيلد، مدير معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في إسرائيل ورئيس مؤتمر هرتزليا  الثاني عشر للأمن وميزان المناعة القومية، رؤية النخبة لتأثير الثورات العربية في شكل المنطقة، وما أعقبه من صعود للإسلاميين  إلى سدة الحكم في بعض البلدان العربية.
وبينما تعكس مؤتمرات «هرتزليا» تقييمات النخبة في تل أبيب للعناصر التي تشكل نظرية الأمن الإسرائيلي، فإنها أيضا ترسم تصورات حول ما ينبغي لإسرائيل أن تقوم به لمواجهة التحديات التي تنتظرها.
وخلافا لمعظم السنوات التي اتخذ المؤتمر لنفسه عنوانا محددا لمناقشة القضايا، مثل التهديد الديموغرافي، والإرهاب الدولي، والخطر النووي الإيراني، فقد حمل المؤتمر الثاني عشر الذي انعقد في الفترة من 30 يناير حتى 2 فبراير 2012 عناوين أكثر غموضا وعمومية، إذ احتوى على عنوان «في قلب العاصفة».
وإذا كان تعبير «الشرق الأوسط الجديد» يحمل دلالات تتعلق بدمقرطة العالم العربي واقترابه من قبول تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي، فإن  «الشرق الأوسط المختلف»، هو تعبير حذر لا ينم سوى عن شعور بعدم اليقين الذي بات يميز تنبؤات السياسيين والخبراء خاصة بعد الفشل في توقع ثورات الربيع العربي، وهو ما نلاحظه في انقسام النخبة الإسرائيلية حول تبعات صعود الإسلاميين لسدة الحكم في أكثر من بلد عربي، وهيمنتهم على مشهد المعارضة في سوريا التي لم تحسم ثورتها بعد.
ووفقا لهذا المشهد، هناك قلة ترى أن صعود الإسلاميين لن يقود بالضرورة إلى ظهور تحديات ضخمة لإسرائيل من الناحية الأمنية، بل قد يؤدي إلى ترشيد «الخطاب الإسلامي المتشدد» ودفعه نحو الاعتدال. في المقابل، ترى الأغلبية أن هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وبالأخص في مصر، قد تقود لتداعيات خطيرة وتقوية مشروع الجبهة الإسلامية الموحدة ضد إسرائيل، أو على الأقل انتشار الفوضى في الجوار الإقليمي لإسرائيل، وتحول بعض دوله إلى دول فاشلة تستغلها الجماعات المتطرفة لتهديد الأمن اليومي للمواطن الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن غالبية الدراسات الإسرائيلية تقلل من قدرة التيارات الإسلامية التي صعدت لسدة الحكم بعد الربيع العربي على القيام بمغامرات عسكرية تهدد الأمن الإسرائيلي، فإن القادة الأمنيين والسياسيين في مؤتمر هرتزليا  ركزوا على احتمال أن يتحول وصول الإسلاميين للحكم في العالم العربي إلى جبهة موحدة تعمل على تهديد وجود الدولة.
هذا الأمر عبّر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي، بني جايتس، بقوله «إن الحرب القادمة ستكون قصيرة الأمد، وسيسعى العدو القادم من أكثر من جبهة لغزو إسرائيل، واختراق المدن المزدحمة بالسكان لإحداث الفزع والرعب بين مواطني الدولة». بيد أن هذا التقدير لا تسنده معلومات، لا سيما في ظل الانقسامات المذهبية والعرقية في المنطقة، فضلا عن أن تقديرات الخبراء الإسرائيليين الذين لا يشغلون مناصب حكومية تذهب إلى العكس بأن الثورات العربية ستزيد من اهتمام كل بلد عربي بنفسه وبمشاكله الداخلية على حساب القضايا القومية عربيا وإسلاميا.
بل إن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» الأسبق، أهارون زئيفي فركش، قدم في مؤتمر هرتزليا  الحادي عشر الذي انعقد العام الماضي تصورا عن النتائج التي قد تفضي إليها عملية صعود الإسلاميين للحكم في أكثر من بلد عربي، ورأى أنها في صالح إسرائيل وليست ضدها. وقال: «ربما تتفتت المنطقة العربية إلى دويلات، ويشهد الشرق الأوسط خريطة جديدة كلية شبيهة بالخريطة الأوروبية بأن تتحول المنطقة إلى ثلاثين دولة».
وطالب فركش إسرائيل بأن تنأى عن الأحداث والتطورات المقبلة، إذ إن - على حد قوله - «على الدول العربية أن تواجه الإسلام الراديكالي  بنفسها، لأن الحل سيتحقق عبر حرب يشهدها الإسلام من داخله، وعلى إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا أن تبقى بعيدا».
ولئن كان الانقسام بين النخب الإسرائيلية حول التطورات المحتملة في المنطقة بعد صعود الإسلاميين لسدة الحكم بعد الثورات العربية أمر مفهوم، ويعبر بشكل طبيعي عن طبيعة المرحلة التي نعيشها، والتي يغلب عليها «عدم اليقين».
تقدير علمي أم رسائل سياسية؟
بيد أنه من المهم التمييز بين التقديرات التي تبنى على معلومات دقيقة، وتلك التي تستهدف إيصال رسائل سياسية معينة، عبر البدء في سياسة عدائية تجاه العالم العربي، تأسيسا على تقدير غير واضح لتأثير صعود الإسلاميين إلى الحكم في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
والواقع أنه رغم أهمية ما يطرح في مؤتمرات هرتزليا منذ انطلاقها من أفكار ومناقشات تتعلق بميزان المناعة الإسرائيلية، فإنه ينبغي الحذر من التعامل مع هذه المؤتمرات، إذ أن بعض ما يمر فيها على لسان المسؤولين الرسميين، سواء وزراء الدفاع أو رؤساء الأجهزة الأمنية، تستهدف التأثير السياسي على خصوم إسرائيل.
فعلى سبيل المثال أيضا، فإن الحديث المتكرر منذ عام 2008 عن خطورة المشروع النووي الإيراني على أمن إسرائيل والعالم دائما ما يكون هدفه سياسيا بحتا دون الاستناد في التقديرات التي تقف من ورائه لمعلومات موثوق بها. فنجد وزير الدفاع الإسرائيلي في مؤتمر هرتزليا  الأخير يردد أن إيران على وشك إنتاج قنبلة نووية بعد أقل من عام، ويصف إيران النووية بأنها ستشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. فيما يقول رئيس المؤتمر داني روتشيلد، ومعه رئيس الأركان الأسبق داني حالوتس «لا ينبغي لنا القول إن إيران النووية تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل».
ورغم أن كليهما لا يقلل من خطورة امتلاك إيران للأسلحة النووية، فإنهما، ومعهما رموز لا يستهان بها من رؤساء الأجهزة الأمنية السابقين، مثل رئيس الموساد السابق مئير داغان، يتخوفون من استخدام هذه التقديرات غير المؤسسة على معلومات حقيقية لشن حرب استباقية ضد إيران، يدرك الجميع في إسرائيل وخارجها مدى صعوبة التنبؤ بنتائجها، وتأثيراتها في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله.
لقد احتلت قضية مخاطر المشروع النووي الإيراني مساحة مساوية - في النقاشات العامة داخل مؤتمر «في عين العاصفة» - لقضية أثر صعود الإسلاميين للسلطة في العالم العربي على أمن إسرائيل، رغم أن المؤتمرات السابقة قد تناولت هذه القضية بالتفصيل، ولم يعد هناك جديد يمكن قوله.
وفي هذا السياق، من المهم التنبه إلى أن المؤتمرات الثلاثة الأخيرة لهرتزليا ركزت على خطورة محاولات العرب نزع الشرعية عن إسرائيل دوليا بالتركيز على قضايا السلام، وإظهار التعنت الإسرائيلي في الاستمرار في سياسة نشر الاستيطان، والهيمنة على الشعب الفلسطيني، ومنع تحقيق حل الدولتين، وهو ما حدا بالكثير من الخبراء الإسرائيليين للتحذير من خطورة انتصار العرب في هذه الحرب، وما ستجلبه من عزلة لإسرائيل.
ورغم ذلك، لا ينبغي التقليل من أهمية متابعة مؤتمرات هرتزليا، إذ أنها تتيح فهم كيف تفكر إسرائيل في قياس مناعة أمنها، ولكن مع ضرورة فرز ما هو علمي وما هو سياسي.
 باحث في مركز الدراسات السياسية في الأهرام.
 
ملاحظات على مشروع الدستور السوري الجديد
جريدة الحياة..هيثم حقي *
قرأت نص الدستور المقترح المنشور على الإنترنت. وهو كسابقه دستور لنظام رئاسي شمولي يجمع فيه رئيس الجمهورية كل السلطات من جديد. فهو رأس السلطة التنفيذية وهو من يعيّن الحكومة، من دون أي ذكر للأغلبية النيابية المعمول بها في الدول الديموقراطية سوى بعمومية ترد في البند الأول من المادة 8: «يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديموقراطياً عبر الاقتراع».
لكن تحديد من يملك صلاحية تعيين الحكومة يأتي في المادة 97: «يتولى رئيس الجمهورية تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفاءهم من مناصبهم»، ولا ذكر طبعاً للخضوع لنتيجة الاقتراع في هذا التعيين. ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رأس السلطة القضائية، ويعيّن حتى المحكمة الدستورية العليا، وهو الوحيد الذي يكفل استقلالية القضاء مع مجلس أعلى يساعده. كذلك هو رأس السلطة التشريعية واقعياً، فهو السيف المسلط على مجلس الشعب لأنه يستطيع حله لعلّة يُبيّنها، وهو يصدر القوانين في فترة عدم انعقاد المجلس وهي تعادل نصف سنة، ولا يستطيع المجلس رد القانون الذي يصدره الرئيس إلا بأكثرية ثلثي الأعضاء المسجلين في الجلسة على ألا يقلوا عن ثلثي أعضاء المجلس كافة وهو ما يتطلبه تقريباً تعديل الدستور برمته.
وبالطبع، هناك بنود وضعت بقصد محدد، فالترشح للرئاسة يجب أن يكون لسوري عاش عشر سنوات متتالية في سورية عند ترشحه، وهذا لو طبق في تونس لما نجح المنصف المرزوقي، وهو ما لا ينطبق على محمد البرادعي في مصر مثلاً، ولا حتى على شارل ديغول في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، ولا على فلاديمير لينين بعد الثورة البلشفية، ولا على الخميني بعد الثورة الإيرانية. أما بالنسبة إلى نواب الرئيس وأعضاء مجلس الشعب ورئاسة الوزارة فدون المرشحين مشكلة الجنسية المزدوجة، والتي حصل عليها أغلبهم بسبب سحب جوازاتهم السورية حينها. وكل هذا لو طبق فهو يمنع كل المبعدين عن البلاد قسراً منذ ثلاثين عاماً من ممارسة العمل السياسي فعلياً.
ألغى الدستور الجديد تسلط حزب البعث على الدولة والمجتمع، لكنه في مقدمته أقر تسلط فكره القومي. كما امتدحت المقدمة توجه النظام السوري الإصلاحي والعروبي والمقاوم وهو أمر وقتي، إذ يمكن نتائج الاقتراع أن تفرز فئات تبين خطأ هذا التوجه الذي - على سبيل المثال - لم ينجز التحرير والتحديث والمساواة بين المواطنين.
تقويمات من هذا القبيل تعكس وجهات نظر - في رأيي - ولا يمكن وضعها في دستور.
وعلى رغم حذف الدستور كل ما يتعلق بأهداف حزب البعث المكونة من «الوحدة والحرية والاشتراكية» المتكررة في الدستور القديم، لكنه أبقى على نسبة الخمسين في المئة للعمال والفلاحين في مجلس الشعب. كما أبقى على الملكية العامة للموارد الطبيعية وللمؤسسات والمنشآت العامة كونها «بقايا اشتراكية».
حزب البعث والتفرقة العرقية
لكن المحيّر فعلاً والذي يجب أن يردّ عليه خبراء دستوريون: هل إن حزب البعث العربي الاشتراكي بتوجهه القومي العربي وبأدبياته التي تمجد كل ما هو عربي وبعض ممارساته الشوفينية ضد الإثنيات الأخرى لا يخالف مثلاً البند الرابع في المادة 8 الجديدة الذي ينص على أنه «لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون»؟! ألا يعتبر التشديد على العروبة والانتماء العربي و «أنا بعث فليمت أعداؤه، عربي عربي عربي» مخالفة للمواطنة المتساوية مع الأكراد والآشوريين والسريان والأرمن والشركس والتركمان السوريين؟! والطريف أنني قرأت أسماء أعضاء اللجنة ووجدت فيهم من ينتمي إلى إثنيات غير عربية، وهذا أحد مميزات التنوع السوري، وقد قامت الثورة اليوم من أجل العدل بين كل مكوناته، لكن أعضاء اللجنة من غير العرب آثروا السلامة وقبلوا بنصف العدل.
وعلى رغم تأكيد الدستورِ المواطنةَ المتساوية أمام القانون العادل إلا أن الاستثناءات الكثيرة تخالف ذلك بالطبع. من هذه الاستثناءات ما أشرنا إليه، ومنها أيضاً تحديد دين رئيس الجمهورية، فهذه تخالف مادة المواطنة المتساوية جملة وتفصيلاً.
كذلك، فإن الدستور الجديد في المادة 155 يسمح لرئيس الجمهورية الحالي بشغل منصبه حتى نهاية ولايته الحالية عام 2014. ثم يحق له الترشح بحسب المادة 88 من هذا الدستور لدورتين مدة كل منهما 7 سنوات، لتنتهي ولايته فعلياً في حزيران (يونيو) 2028. وهذا أمر غريب، فالدستور أمر دائم ولا يُكتب عن حالة خاصة، ولو ترك الأمر مفتوحاً لكان أفضل لواضعي الدستور. إذ تتم في هذه الحالة إحالة الأمر إلى الجدل القانوني والدستوري، فالدستور الجديد هو تغيير للنظام أو «إسقاط» له إذا استخدمنا تعبير التظاهرات، وبه يبدأ نظام جديد يعتمد دستوراً جديداً، وبالتالي تتغير كل المؤسسات القديمة لأنها أقسمت على الولاء للدستور القديم وتنشأ مؤسسات جديدة تقسم على الولاء لهذا الدستور الجديد.
وهذا الموضوع لا يخص الرئاسة فقط، بل يخص مثلاً مادة عجيبة هي المادة 154 التي تقول: «تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يتوافق مع أحكامه، على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية». وهذا يعني أن كل القوانين التي تسمح بالاعتقال التعسفي وتمنع التظاهر السلمي عملياً، وكل تشريعات مصادرة الرأي بحجة «وهن عزيمة الأمة» والتشريعات الكثيرة المماثلة التي تميز بين المواطنين والتي لا تنسجم مع الدستور الجديد الذي يقر المواطنة المتساوية وحق التظاهر وحقوق المرأة، ويبين كما ورد في المادة 32 أن «الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم»... كل هذه الأمور يجب أن تنتظر ثلاث سنوات ميلادية!
إن اقتراح دستور يجب أن يكون بعد وقف العنف والإفراج عن المعتقلين والسماح بتكوين الأحزاب في شكل حقيقي. تلي ذلك انتخابات نزيهة برقابة دولية لجمعية تأسيسية تقر دستوراً جديداً يعتمد حقاً المواطنة المتساوية أمام قانون يعدل ليصبح عادلاً، ويقيم دولة ديموقراطية تعددية بتداول للسلطة، على أن تكون - في رأيي - برلمانية، وهذا أمر تحدده صناديق الاقتراع، ليتم عندها حقاً الفصل بين السلطات والاستقلال الفعلي للقضاء.
* مخرج سينمائي وتلفزيوني سوري
 
 
 
جريدة النهار..واشنطن - هشام ملحم
أسوأ تدهور في العلاقات الأميركية - المصرية منذ معاهدة كمب ديفيد
وسيطرة الإسلام السياسي على البرلمان سيثير الشكوك القديمة
تعرضت العلاقات الاميركية - المصرية المتأزمة اصلاً الى انتكاسة جديدة الاسبوع الماضي عقب قرار السلطات المصرية توجيه الاتهام الى 43 ناشطا في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني بينهم 19 مواطنا اميركياً، بمخالفة القوانين المصرية "وخدمة المصالح الاجنبية".
ومع اخفاق الجهود الاميركية لالغاء التهم والسماح لستة اميركيين، بينهم سام لحود نجل وزير المواصلات في الحكومة الاميركية راي لحود، لجأوا الى سفارتهم في القاهرة بمغادرة البلاد، وكانت اخرها زيارة رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي للقاهرة – قيل ان الفريق محمد طنطاوي رفض طلب ديمبسي ان يرافقه الاميركيون الستة على طائرته الخاصة - فان العلاقات مرشحة "للافلات من السيطرة والانهيار بطريقة لا تخدم مصلحة البلدين" كما قال الخبير في الشؤون المصرية جون آلترمان لـ"النهار".
المأزق الراهن الذي تشهده العلاقات هو الاسوأ منذ بدء الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن والقاهرة عقب معاهدة كمب ديفيد وانسحاب مصر من المعسكر الشرقي الى التحالف مع الولايات المتحدة مع ما جلبه ذلك من تحولات سياسية واستراتيجية كان لها تأثير على المنطقة بكاملها. ويرى المحللون والناشطون في المنظمات الاميركية التي تعنى بدعم المجتمع المدني والاعلام الحر والتي صادرت السلطات المصرية وثائقها واغلقتها في كانون الاول الماضي، ان المضايقات التي كانت تتعرض لها خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كانت اقل بكثير من الضغوط والترهيب والمضايقات التي واجهتها على يد المجلس الاعلى للقوات المسلحة والاجهزة المصرية منذ اطاحة حسني مبارك.
وصاحب تدهور العلاقات نقاش واسع في الاوساط السياسية والاكاديمية الاميركية المعنية بالعلاقات مع مصر وبالمجتمع المدني فيها. وهناك رأي سائد يشارك فيه ديموقراطيون وجمهوريين يرى انه اذا بقيت مصر على طريقها الراهن، فان برامج المساعدات العسكرية لمصر (مليار و300 مليون دولار مساعدات عسكرية، و250 مليون دولار مساعدات اقتصادية لهذه السنة) مهددة بالتعليق او الالغاء، وفي احسن الاحوال بالتخفيض. اللافت في هذا النقاش ان هناك عددا من الخبراء الاكاديميين المعروفين بمواقفهم الايجابية من مصر، يدعون اليوم إما الى قطع المساعدات او اعادة النظر فيها من اجل تخفيضها او وضعها على أسس جديدة، وخصوصاً اذا واصلت مصر ما يسميه الكثيرون من هؤلاء "الحرب ضد المجتمع المدني المصري".
ويبدو ان زيارات الوفود العسكرية لم تؤد الى احتواء الازمة. فقد قطع وفد عسكري مصري جولته في واشنطن في الاسبوع الاول من الشهر الجاري وعاد بسرعة الى القاهرة بعد الغاء موعد للاجتماع بالسناتور الجمهوري جون ماكين، الذي قال ان قطع المساعدات العسكرية عن مصر مطروح على الطاولة.
وتأتي الازمة الراهنة على خلفية حساسية مصرية مزمنة من مسألة المساعدات الاميركية لمصر، والتي قيل ان مبارك كان يعتبرها في مجالسه الخاصة "مهينة" وتحديداً المساعدات المالية والعينية التي تقدمها واشنطن منذ سنوات لمنظمات المجتمع المدني من مصرية واميركية تنشط في مصر لتدريب المصريين على النشاط الانتخابي والتنظيمي ودعم حقوق الانسان وحرية التعبير. هذه الخلافات بين ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش ونظام الرئيس مبارك دفعت بمبارك في سنواته الاخيرة الى وقف زياراته السنوية لواشنطن، ولم تمنعه من اعتقال شخصيات سياسية عارضته مثل السياسي أيمن نور والناشط سعد الدين ابرهيم وغيرهما.
ويقول المسؤولون المصريون، من عهد مبارك حتى الان، ان نشاط هذه المنظمات يتنافى مع متطلبات السيادة المصرية ويعتبر تدخلاً اجنبياً في شؤونها الداخلية، عدا عن ان هذه المنظمات لم تحصل على الترخيص المطلوب للقيام بنشاطاتها. وهم يتذرعون دوماً بأن الحكومة لا تستطيع ان تتدخل في قرارات القضاء المصري المستقل.
وفي المقابل يقول الناشطون في المنظمات غير الحكومية ان السلطات المصرية كانت ترغمهم على النشاط في مناخ قانوني غامض، وانها ترفض الترخيص لهم، كما انهم يرفضون بشدة الاتهامات بانهم يتدخلون في شؤون مصر الداخلية، ويؤكدون انهم يقدمون الدعم التقني والمهني وليس السياسي للناشطين في مصر بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية، طالما انهم احترموا القواعد الديموقراطية، أي انهم يقدمون الخبرات في مجال تنظيم الانتخابات وتنظيم استطلاعات الرأي وغيرها من الشؤون "التقنية" وليس تقديم المشورة السياسية. ويرى بعض المراقبين ان هناك ارثا مصريا ومشاعر عميقة تنظر بالريبة والشك، ام لم نقل بعدائية الى الولايات المتحدة وتشكك بنياتها، وترفض دعمها لاسرائيل، كما تحملها جزئيا مسؤولية بقاء نظام القمع في مصر في العقود الاخيرة. ويرى هؤلاء انه بصرف النظر عمن سيرث قيادة مصر بعد كتابة الدستور الجديد واجراء الانتخابات الرئاسية، فان سيطرة التيارات الاسلامية على البرلمان المصري ودورها الكبير في المجتمع المصري سوف يؤدي – بسبب الشكوك القديمة المتبادلة بين الاسلاميين والولايات المتحدة - الى فتور ان لم نقل برود في العلاقات بين البلدين، خصوصاً وان هناك نسبة عالية من المواطنين المصريين تقول انها تفضل وقف الاعتماد المصري على المساعدات الاميركية. ويعتقد ان تهديدات او تلميحات بعض القيادات الاسلامية في البرلمان المصري بانه في حال قطع المساعدات الاميركية لمصر، فان مصر ستعيد عندها النظر بمعاهدة السلام مع اسرائيل، سوف يزيد من تأزيم العلاقات أكثر.
وفي الاسبوع الماضي استمع المشرعون الاميركيون الى مواقف وتقويم المسؤولين عن اربع مؤسسات اميركية استهدفتها الاجراءات المصرية الاخيرة. والتقى الشهود على القول ان هناك مناخ جديد ومقلق في مصر يهدد مستقبل الديموقراطية في مصر ويهدد بتقويض كل المكاسب التي حققتها الانتفاضة المصرية التي اطاحت مبارك. وبما ان المساعدات لمصر مشروطة باحترامها لحقوق التجمع والتعبير وسلطة القانون، فان صرفها يتطلب في هذه الحال ان تصادق وزيرة الخارجية على ذلك. وكما قال النائب الديموقراطي هوارد بيرمان خلال الجلسة "لا استطيع ان اتخيل ان تصادق وزيرة الخارجية على ذلك او ان تستثني مصر من هذه الشروط، اذا اصرت مصر على محاكمة الناشطين في المنظمات غير الحكومية".
وخلال جلسة الاستماع في مجلس النواب الاسبوع الماضي، كما خلال النقاش في الاوساط الاكاديمية، كان اسم وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فايزة ابو النجا يتردد بصفتها "الطرف الاستفزازي الرئيسي" في هذه المشكلة، كما قال النائب الجمهوري ستيف تشابوت. وللوزيرة ابو النجا تاريخ طويل في معارضة وترهيب الناشطين في المجتمع المدني وتحديدا الذين يتلقون المساعدات من الولايات المتحدة. وجددت ابو النجا من حملتها ضد هذه المنظمات حين اعلنت واشنطن في اذار الماضي عن تقديم هبات بقيمة 65 مليون دولار للمنظمات المصرية المعنية بدعم الديموقراطية.
وهناك تفسيرات واجتهادات كثيرة واسئلة أكثر بين الخبراء في الشؤون المصرية حول اسباب التصلب المصري الراهن وراء ازمة الناشطين الاميركيين والمصريين في المنظمات المعنية بالمجتمع بالمدني. وهناك رأي يقول ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة يريد ان يزايد على "الاخوان المسلمين" والناشطين الذين حركوا الانتفاضة من ميدان التحرير ضد نظام مبارك، وانه يريد ان يؤكد وطنيته ومصريته واستقلاليته باتخاذ مثل هذا الموقف المتشدد تجاه واشنطن. آخرون يرون ان الوزيرة ابو النجا تواصل موقفها المتشدد على الرغم من بعض مؤشرات التردد في المجلس الاعلى للقوات المسلحة، لانها تدرك ان المجلس لن يبقى طويلا في الحكم، وهي تريد ان تحضر للعب دور سياسي اكبر في المرحلة المقبلة.
ولكن اكثرية المراقبين يقولون ان الامر اكثر تعقيدا ويتخطى الوزيرة ابو النجا. الباحثة ميشيل دون، التي ترأس مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الاوسط في "المجلس الاطلسي" قالت انه من المحير ان الجنرالات المصريين سمحوا للوضع بان يصل الى هذا المستوى المتدني، وتتساءل كيف يمكن ان يعتقد العسكريون المصريون ان الرئيس باراك اوباما في مثل هذا المناخ المتشنج ان يوافق على الاستمرار بتوفير المساعدات العسكرية لهم.
ويقول الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية والخبير في الشؤون المصرية جون ألترمان انه "ليس من الواضح ما اذا كان المجلس الاعلى هو الذي بادر بخلق الازمة، ام انه سمح بخلقها" ويضيف في حواره مع "النهار": "ان من الواضح ان هناك حملة اعلامية منظمة ضد منظمات المجتمع المدني، ولكن من غير الواضح من يقف وراءها"، في اشارة الى قوى متعددة مثل مباحث أمن الدولة، الى الوزيرة ابو النجا وغيرها. ويتابع "لا شك ان هناك قوى تدفع الامور في اتجاه التصعيد والتأزيم وتأجيج المشاعر. والمؤسف ان هذا الامر يحدث في الوقت الذي يريد الشعب المصري معالجة الازمة الاقتصادية كأهم اولوياته الملحة". ويرى ألترمان انه من الصعب الان العثور على طريقة تخرج الطرفين من الازمة الراهنة. ويحذر ألترمان الذي راقب العملية الانتخابية الاخيرة في مصر، من ان البلاد ستواجه ازمتين كبيرتين في الربيع المقبل، الاولى اقتصادية بسبب الانفاق السريع للاحتياطي المالي المصري من قبل المجلس الاعلى وصعوبة التوصل الى اتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي لتقديم قرض بقيمة 3 مليارات دولار، والثانية سياسية بسبب الخلافات على كتابة الدستور. ويتابع "وزيادة أزمة ديبلوماسية ثالثة على هذه القائمة هو أمر غريب ومقلق فعلاً".
 
معنى العراق.. شرطنا المسيحي
جريدة السفير... هاني فحص
كل جماعة دينية أو اثنية أو مذهبية في أي بلد في العالم سبق له ان تكون على مجموع مكوناته، هي شرط لسلامة الجماعة الأخرى واستقرارها وحيويتها ومشاركتها المتعاظمة في بناء الوطن وتجديده بالمواطن، على أساس المواطنة كهوية أصلية جامعة وضامنة، لتناغم وانسجام الهويات الفرعية ومانعة لتفجرها وانفجار الوطن والدولة والمجتمع، بانفجارها الذي يحول الكيان إلى كيانات متقاتلة تتبادل التدمير والالغاء، بحجج واهية، لا هي دينية ولا قومية ولا إنسانية ولا حضارية.
من هنا يصبح المسيحي في لبنان شرطاً للمسلم كما يصبح المسلم شرطاً للمسيحي، وتبعاً يصبح الشيعي شرطاً للسني وكذلك العكس، كما يصبح الدرزي شرطا لغيره ومشروطاً به... وكذلك في كل أوطان التعدد. إما إذا انتقلنا إلى العراق فإن المسألة تصبح أشد تركيباً وأشد خطورة وأكثر احتمالا لتنشيط العوامل التي أتاحت للعراق ويمكن ان تتيح من جديد ان يكون فاعلا ومنتجا حضاريا وثقافيا مميزا من عهوده الموغلة في القدم والتي كان الآشوريون والكلدان حاملها الاجتماعي، ثم تحولوا إلى شركاء في حمل العراق بعد الفتح الاسلامي... إلى العهود اللاحقة في العصور الاسلامية المختلفة، التي قام العراق خلالها متميزا بما جمع وحمى من أقوام وأديان ومذاهب وأفكار وحوارات وسجالات جعلته علامة ساطعة في تاريخ المنطقة والعالم، ومن هنا تأتي خطورة الشقاق الاثني والديني والمذهبي في العراق، لأنها تهديد لهذا المعنى والدور التاريخي والحضاري الكبير للعراق، والذي لا يمكن ان يعوض أبداً، والذي ما زال العراق قادراً على النهوض به لما يتوافر فيه من إمكانيات بشرية وعلمية وجغرافية وتاريخية من ثروات ومساحات وخصائص مساعدة على النهوض والريادة في زمن التراجع الذي نعيشه الآن.
ان انشقاقا بين المكونات الوطنية العراقية يتحول إلى إرهاب، إذا لم نقطع عليه الطريق باستعادة وترسيخ التفعيل السياسي والاداري والأمني لوعينا المشترك بضرورة كل منا للآخر... وقد علمتنا التجارب ان سلوك الفتنة بين جماعة وجماعة لا بد ان يتحول إلى فتنة داخل كل جماعة، ما يعني ان الافضل لأمن أي جماعة هو ان تمانع في الصراع ضد الجماعات الأخرى. ان العراق من دون أي مكون من مكوناته، مهما يكن عديده، هو مكان خطر شديد على المكونات الأخرى، من هنا فإن الحفاظ على المسيحيين لا يعود بالخير عليهم فقط بل على المسلمين أولا وكذلك بالشر، وهذا يعني ان استقرار وأمان المسيحيين في العراق، ومثلهم الشبك واليزيديون والصابئة مثالا لا حصراً، هو وظيفة أو شأن اسلامي اولا وشأن مسيحي ثانياً... إلى ذلك فإنه لا بد ان يلتفت العراقيون إلى ان هذا العنف الكافر الذي يمارس على المسيحيين في العراق، وان كان من قماشة العنف نفسه الذي يمارس على المكونات الأخرى. وعلى الدولة باعتبارها الاطار الجامع للجميع، يندرج في المخاطر التي تهدد مسيحيي الشرق عموما، او تهدد الشرق بإخلائه من مكون تاريخي منحه نكهة خاصة، تأتي من التوحيد الابراهيمي وتصب في نهر المواطنة الذي يحفظ الأديان والأوطان والديانين والمواطنين.
إن أي عراقي، كردي أو عربي أو تركماني، مسلم سني أو شيعي، صابئي او مسيحي او يزيدي او شبكي، يتوهم إذا ما كان يفكر بأن امانه واستقراره ومصالحه الذاتية تتحقق على حساب الآخرين الشركاء والذين ترقى شراكتهم او مستوى الضرورة، ولا بد هنا من قراءة تاريخ الانشقاقات التي حولت بعض المجتمعات والأوطان الى حالات أحادية البعد، فقتلتها بالفقر والجهل والعزلة والنبذ والكسل والفتن الدائمة. إن العراقيين مدعوون إلى الحفاظ على معنى العراق فيهم ومعناهم في العراق، وتلك هي مسؤولية الجميع من دون استثناء. وهناك مسؤولية مميزة على المسيحيين المدعوين إلى الاسهام العميق في تجنب الخطر وتجنيب العراق الفقر بخسارة جزء من معناه فيهم.
النزف المسيحي من تركيا إلى مصر: هل عاد زمن الذمية؟
جريدة السفير...كلير شكر
يقارب مسيحيو السلطة في لبنان ملف المتغيرات على الساحة العربية، أو ما يعرف بـ«الربيع العربي» انطلاقاً من مقولة «ما متّ... بس ما شفت مين مات». فالتراجع الديموغرافي الذي يصيب المسيحيين منذ عقود في المشرق العربي، بفعل عوامل عدة سياسية واقتصادية واجتماعية، والذي حوّلهم إلى «هنود حمر» يدافعون عن آخر معاقلهم، يزيد «النقزة» في نفوسهم الربيع الذي تمنوه عربيا ضامنا فإذا به ربيع إسلامي مثير للقلق والهواجس.
من فلسطين، إلى العراق وتركيا، مروراً بلبنان ومصر وما ينتظر سوريا... نماذج من تدهور الحضور المسيحي.
البقعة التركية كانت الشاهد الأول على التموضع المسيحي. من هناك هُجّر أكثر من مليون مسيحي في بدايات القرن الماضي، صمد منهم نحو 100 ألف أرمني وسرياني، ممثلين اليوم بنائب واحد في البرلمان التركي كان له نصيب الفوز بواسطة اللوائح الكردية.
اليوم، ومع عودة الأحلام العثمانية التوسّعية، تقود أنقرة محاولات «رمزية»، انفتاحية الطابع، للتكفير عن «ذنب» التهجير المسيحي، الذي يصفه البعض بـ«الممنهج»، حيث تتحضر لاستقبال لقاء موسّع لكل بطاركة الشرق الأوسط تحت عنوان التعددية الدينية. ويُقال في هذا السياق، أيضاً إن كلاماً مطمئناً وضع في جيب أحد بطاركة المنطقة حول مصير المسيحيين السوريين في حال سقوط النظام السوري، وإنّه مرحب بهم في تركيا!
الدستور الإيراني إسلامي العقيدة لكنه يحترم التنوّع، من خلال كوتا رسمية للأقليات الدينية (نائبان للأرمن والأشوريين)، لكن المناخ الإسلامي للدولة لم يساعد في بقاء أكثر من 200 ألف أرمني ونحو 40 ألف أشوري في بلاد الفرس، يمارسون شعائرهم الدينية.
الضربة الموجعة للوجود المسيحي كانت في العراق أرض الحضارة البابلية، الأشورية، والكلدانية، التي كانت تحتضن أكثر من مليون ونصف مليون مسيحي، تمسكوا بأرضهم على مدى العصور والغزوات التي عرفها العراق، من جنكيز خان وصولاً إلى النظام البعثي، إلى أن حلّت كارثة الاحتلال الأميركي وانهيار السلطة المركزية. بين 400 ألف الى 500 ألف مسيحي لا يزالون في بلاد ما بين النهرين، موزعين بين بغداد (نحو 150 ألفا)، وسهل نينوى الذي يضم الوجود المسيحي الأكبر (نحو 250 ألفا)، وشمال العراق أي كردستان (نحو 120 ألفا).
واحد من أسباب تراجع الحضور المسيحي في العراق هو أن هذه المجموعات لم تحمل السلاح، كما فعل الكثيرون، كما لم تجد لها جدار دعم خارجيا يساندها ويدافع عن حقوقها، فلم تعرف سوى الهجرة منفذاً ومنقذاً لها. لم ينجح قادتها في صوغ مشروع سياسي تتحرك على أساسه، ولم تجد من يساعدها على أن لا تكون فرق عملة صراعات الآخرين، فصارت ضحية «حروب الآخرين».
المسيحيون الذين باتوا يشكلون نحو 5% من التركيبة السكانية العراقية (السلطات الرسمية تعترف بـ3%)، لم يخرجوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلاّ بخمسة مقاعد نيابية، من أصل 325 مقعداً، وهو حجم الكوتا التي يحفظها لهم الدستور، وإن كانت غير منسجمة مع حضورهم العددي. وما يزيد من عمق الأزمة أن السلطات المركزية، كما يرى بعض المتابعين، لا تنظر إليهم بصفة شركاء حقيقيين بل مجرّد «ضيوف»، في حين أنّ ما حلّ بهم من تمّزق ديموغرافي، يستدعي أن يدفع أهل الحكم إلى التعامل معهم بتمايز إيجابي. ولكن يكفي رصد التعبير العفوي لرئيس الحكومة العراقي نوري المالكي الذي تحدث عنهم في احدى مراسلاته بصفتهم «جالية مسيحية»، للإمساك بالدليل القاطع على هذه «الفوقية»، علماً بأنه عاد واعتذر عن توصيفه المذكور.
في كردستان، يسعى الأكراد إلى تقديم «إقليمهم» على أنه النموذج المثالي للتعامل مع الأقليات. وبالفعل، فإن نائب رئيس وزراء الإقليم ووزير ماليته كان من أبناء الطوائف المسيحية، إلى جانب حضور وزاري ونيابي لا بأس به (خمسة نواب مسيحيين في برلمان الإقليم)، مدعوماً بخطوات «تطبيعية» للوجود المسيحي من خلال نهضة ثقافية تشهدها منطقة عنكاوا، وإحياء للغة السريانية وغيرها من الإجراءات التشجيعية، بما في ذلك استقبال وإيواء النازحين المسيحيين من بغداد وغيرها من المحافظات. ولكن ذلك لم يمنع بعض المجموعات الإسلامية منذ أكثر من شهر، من حرق أكثر من خمسين محلاً وفندقاً تعود ملكيتها إلى مسيحيين، بحجة بيع الكحول، وقد أطلق عليها «غزوة زاخو». كثيرة هي الأفكار المتداولة بين القوى المسيحية حول مستقبل هذه المجموعات، منها من يفضّل التمثّل بغيره من مكونات المجمتع العراقي التي تطالب بمزيد من الاستقلالية ما دام المنحى في البلاد هو منحى فدرالي، فيطالب بمنح إقليم نينوى الذي يضم مجموعة أقليات (أكثر من نصف سكانه من المسيحيين والبقية من الصابئة واليزيديين، والمندائيين) بعض الاستقلالية، لكن هذا الطرح لا يلقى اجماع كل القوى المسيحية أيضاً.
يقول متابعو ملف المسيحيين الذين غادروا العراق، إن معظم هؤلاء اختار أوروبا أو الولايات المتحدة أو اوستراليا كوجهة إقامة، فيما توجّه أكثر من 120 ألف عراقي مسيحي إلى سوريا في بداية الأزمة العراقية، وذلك من أصل مليون لاجئ عراقي قصدوا دمشق.
وقد وصل أكثر من 10 الآف عراقي مسيحي إلى لبنان، لم يبق منهم سوى ستة الآف، يعيشون اليوم في ظروف اقتصادية واجتماعية مزرية، نتيجة انعدام الرعاية الرسمية لهم، وتلكؤ القوى المسيحية الحزبية ومحدودية قدرات المؤسسات الكنسية، علماً بأنّ هناك من اقترح في مرحلة ما الاهتمام بهذه العائلات المسيحية تمهيداً لتوطينها، أو فرضها كأمر واقع من باب تحسين التوازن الديموغرافي في لبنان.
أما في بلاد الفراعنة التي يفترض أن ثورة ميدانها أزهرت ربيعاً ديموقراطياً، فإن أقباطها الذين يشكلون من 6 الى 10% حسب تقديرات متناقضة من اصل مجموع المصريين، لم يتذوقوا بعد طعم حريتها. لا بلّ أحداثها الطائفية المتنقلة من منطقة إلى أخرى، تدفع ببعضهم إلى «الترحّم» على أيام حسني مبارك. في البرلمان المصري الحديث الولادة خمسة نواب أقباط، فاز أحدهم على لوائح الإسلاميين، ثم تولت السلطات المركزية تعيين 4 نواب احتراماً للكوتا الرسمية، بعدما ذوبّت التقسيمات الانتخابية الصوت المسيحي في البحر الاسلامي، وقد سجّل يومها تدني نسبة مشاركة المصريين المسيحيين بشكل معبّر عن إحباط بدأ يتسلل إلى أوساط الأقباط.
أما في بلاد الشام، فإن الوجود المسيحي يشكل نحو 10% من أصل التركيبة السكانية، بين روم أرثوذكس وروم كاثوليك وسريان وأرمن، ما يعني أقل من مليوني شخص. النظام البعثي شهد هجرة، ولو محدودة، بسبب الوضع الاقتصادي والتضييق على الحريات العامة، علماً بأن الحريات الدينية مصانة، لكن لم يحفظ للمسيحيين أي كوتا رسمية في تركيبة الدولة انطلاقاً من علمانية النظام.
ويقول رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام إن المسيحيين لا يخافون لأن إيمانهم قياميّ، لكنهم قلقون من تداعيات الأحداث في المنطقة، في ظل النموذجين العراقي واللبناني إبان الحرب الأهلية، خشية تكرارهما. وتؤرق هذه الهواجس أذهان مسيحيي سوريا راهناً، لا سيما بعد مقتل أكثر من 200 مسيحي في حمص جراء أعمال العنف التي تشهدها المنطقة، وجميعهم من المدنيين.
حتى اللحظة، يدق مسيحيو سوريا ناقوس الخطر، لكنهم ما زالوا مؤمنين بأرضهم، ومتمسكين بها، ولهذا لم تشهد الأزمة السورية حالات كبيرة من الهجرة، وإن كانت بعض المعلومات تشير إلى أن عدداً من العائلات السورية الميسورة حاولت استطلاع آراء القيادات المسيحية اللبنانية، حول قدرة الساحة اللبنانية على استيعاب أي نزوح قد يصيب مسيحيي سوريا... ولكن لم يجد هؤلاء أي إجابات شافية، لا نفياً ولا تأكيداً.
فحقوق المسيحيين في العالمين العربي والإسلامي «لا تُختصر فقط بحرية ممارسة الشعائر الدينية»، كما يرى افرام، «بل في المشاركة في السلطة كغيرهم من مكونات مجتمعاتهم. علماً بأن الاستقرار الأمني صار في هذه الفترة أولوية بالنسبة لهؤلاء، وتحديداً في سوريا التي شهدت وتشهد اعتداءات ذات طابع ديني (قصف دير صيدنايا، مقتل الأب باسيليوس نصار...)، وكلها إشارات تزيد من قلق مسيحيي سوريا، وترفع جدار التحديات أمام المعارضة السورية لتوضيح مقارباتها لمستقبل البلاد، في حين يبدو فيه العالم، وتحديداً الفاتيكان، متفرّجاً على هذه التطورات من دون أن يقدم للمسيحيين أي ضمانات حول مصيرهم. ولهذا فإن بقاء المسيحيين في أرضهم هو مسؤولية شركائهم، لا سيما تلك الأنظمة الناشئة التي يفترض بها أن تتصرف وفق عقل جديد يقوم على أساس المواطنة ويحترم المساواة فعلاً لا قولاًً يقول حبيب أفرام.
 
إيران تستعرض عضلاتها: بوارج في المتوسط ... تحمي سوريا
استعراض جديد للقوة تمارسه إيران على أكثر من ساحة. بوارج «تحدٍّ» إلى المتوسط حمايةً لسوريا، وموافقة على محادثات «5 + 1» بعد فرض وقائع نووية جديدة، ووفق جدول أعمال جديد، وختاماً مقاطعة نفطية لفرنسا وبريطانيا، وإبقاء العصا مرفوعة في وجه الدول الأوروبية الأخرى
جريدة الأخبار...إيلي شلهوب
أعلنت طهران أن سفناً حربية إيرانية دخلت السبت البحر المتوسط بعد عبورها قناة السويس، قبل أن تنتقل إلى السواحل السورية، في خطوة سارعت الولايات المتحدة إلى التحذير منها، داعية طهران الى «التزام القوانين الدولية، وعدم القيام بأي عمل من شأنه تعريض الأمن» للخطر، فيما شددت تل أبيب على «أننا سنتابع عن كثب تنقّل السفينتين للتحقق من أنهما لن تقتربا من السواحل الإسرائيلية». وهذه هي المرة الثانية من نوعها، منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، التي ترسل فيها إيران بوارج الى المتوسط، وتأتي بعد عام من خطوة مماثلة في شباط 2011، غداة سقوط الرئيس المصري حسني مبارك.
وتقول مصادر إيرانية وثيقة الاطلاع إن «هذه المرة تختلف عن المرة السابقة عندما ذهبت البوارج إلى سوريا تعبيراً عن التضامن معها».
وكانت هاتان البارجتان قد رستا أياماً في ميناء جدة السعودي، بهدف «إظهار نفوذ جمهورية إيران الإسلامية في عرض البحر، والتواصل مع دول المنطقة ومواجهة التخويف من إيران»، على حد قول قائد البحرية الإيرانية، الأميرال حبيب الله سياري. ورغم ذلك، وضعت المصادر الإيرانية وصول البارجتين إلى سوريا في إطار «التحدي للولايات المتحدة والغرب والقوى الرجعية العربية، ممثلة بالسعودية، بعد أيام من قرار الجامعة العربية في القاهرة دعم المعارضة السورية بالسياسة والمال والسلاح». وتضيف: «هناك تحد من نوع آخر، إذ إن إيران بخطوتها هذه تكون قد كرست نفسها قوة بحرية خارج حدودها الإقليمية، وأعلنت أن مداها الحيوي يشمل البحرين الأحمر والمتوسط»، مشددة على أنه «للمرة الأولى أصبحت إيران جزءاً لا يتجزأ من معادلة البحر المتوسط، رغم أنها ليست من دوله». وتلفت المصادر الى أن «إيران، التي أرادت الولايات المتحدة أن تحصرها في الخليج في إطار معادلة هرمز، وتقيم توازناً بينها وبين أميركا، خرجت من القمقم، وفرضت بنفسها معادلة ما بعد بعد هرمز».
وكان لافتاً وصول البوارج الإيرانية إلى السواحل السورية في خطوة تزامنت مع بدء مغادرة السفن الروسية. المصادر نفسها رأت في ذلك «تعبيراً عن حرص إيراني على إبقاء السواحل السورية محمية، ورسالة لكل ما يعنيه الأمر بأن الموضوع السوري اليوم أصبح موضوعاً إيرانياً بامتياز».
ولعل في ما جرى خلال الزيارة الأخيرة لمفتي سوريا الشيخ بدر الدين حسون إلى ايران ما يعزز هذا الأمر، إذ إن الأخير التقى المرشد علي خامنئي، وسلّمه رسالة خطية من الرئيس بشار الأسد. وتقول مصادر قريبة من اللقاء إن الإمام خامنئي «طلب من حسون إبلاغ الأسد تحياته واستعداده الكامل للوقوف بقوة إلى جانبه، مع التأكيد على الدعم اللامحدود لدمشق على كل الأصعدة، على قاعدة أن سقوط سوريا هو سقوط للمنطقة كلها، وهو ما لن يسمح به عاقل». وتضيف إن «المرشد تحدث في هذا اللقاء عن مفاجآت، ربما البوارج إلى سوريا واحدة منها»، مشيرة إلى أن «الاتصالات يومية ومكثفة بين البلدين، وخصوصاً بين وزيري الخارجية علي أكبر صالحي ووليد المعلم»، ومشددة على أن «إيران تعمل بجد لحل سوري داخلي يقوم على الحوار والمصالحة الوطنية في إطار إصلاحات الرئيس الأسد في مواجهة التدخل الدولي، وبهدف وقف التطييف والعنف، وبدعم مفتوح من النظام، حتى لو احتضنت طهران لقاءً يجمع السلطة بالمعارضة باستثناء مجلس إسطنبول، الذي رفض دعوة كهذه». وكانت السلطات الإيرانية قد ألغت قبل نحو أسبوعين كل الرسوم المفروضة على البضائع السورية، وأبرمت قبل ايام اتفاقاً مع دمشق وبغداد وبيروت لربطها جميعاً في شبكة كهربائية واحدة ستكون الأكبر في العالم الإسلامي، مع تعهد ببناء محطة كهربائية ضخمة في سوريا.
ورداً على سؤال عما كان سيحصل لو أن السلطات المصرية منعت البوارج من العبور، قالت المصادر: «هذا الأمر مستبعد، ذلك أن الأجواء في مصر حيال إيران إيجابية جداً، بغض النظر عما يمكن أن يظهر على السطح، حيث تحاول الولايات المتحدة اللعب، ذلك أن جميع التيارات السياسية ذات الوزن، ومرشحي الرئاسة الجديين يؤكدون على العلاقة الطيبة مع إيران، باعتبارها دولة صديقة وقوة إقليمية وازنة. أما فيما لو حصل أمر كهذا، بضغط أميركي غربي مكشوف، فلن تكون هناك مشكلة، ذلك أنه كما أن قناة السويس قناة دولية تمر في مصر، التي لا تستطيع منع أحد من العبور إلا في حال تهديد الأمن القومي المصري، فإن ذلك سيمثّل سابقة دولية يمكن نقلها إلى مضيق هرمز».
محادثات إسطنبول
وتكتسب قضية البوارج هذه الأيام زخماً أكبر، لكونها تأتي في خضم اشتباك نووي انتهى إلى تحديد إسطنبول مكاناً للاجتماع المقبل بين إيران ومجموعة 5 + 1، على ما أعلن صالحي أمس، بانتظار وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون، لتحدد الموعد بالاتفاق مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي.
مصادر معنية بهذ الملف تؤكد أن «جدول أعمال الغربيين يجب أن يكون مختلفاً في هذه الجولة من المحادثات، لأن جدول الأعمال الإيراني اختلف»، موضحة أن الإيرانيين «يريدون بحث أمن الطاقة الإقليمي والدولي، ولن يتطرقوا إلى ملفهم النووي إلا من باب تقديم التطمينات على أنه برنامج سلمي لا عسكري». والخلاصة، بحسب المصادر نفسها، أن «الإيراني، وخلافاً للجولات السابقة، يريد مناقشة كل ملفات المنطقة، من فلسطين إلى العراق فلبنان وسوريا والبحرين والثورات العربية، وما إلى ذلك من قضايا حساسة، وهذا ما يجعل الميزان راجحاً لغير مصلحة الأميركيين».
واللافت في هذا الملف أن جليلي، عندما بعث برسالته إلى الأوروبيين من أجل جولة المحادثات، التي تريدها طهران تحت شعار «الطاقة النووية السلمية للجميع ولا سلاح نووياً لأحد»، كتبها بصيغة أن إيران هي التي تدعو هذه الدول إلى جولة محادثات جديدة في إطار 5 + 1، متجاهلاً كلياً دعوة كهذه صدرت قبل أسابيع عن أشتون، التي كانت تنتظر الجواب الرسمي الإيراني. ولعل هذا ما دفع بالأميركيين إلى الحديث عن أن «رسالة جليلي ملتبسة وغامضة».
مهما يكن من أمر، فإن الرد الإيراني جاء بعد سلسلة من التطورات البالغة الأهمية في واقعها ودلالاتها:
1- بعد جولات مكوكية قام بها مساعد جليلي، السيد باقري، على روسيا والصين، حيث أعلن التوصل إلى «اتفاقات استراتيجية»، ما يعني أن «النووي الإيراني أصبح جزءاً من معركة دولية تقف الصين وروسيا في خلالها إلى جانب إيران».
2- بعد إعلان تصنيع نوع جديد من أجهزة الطرد المركزي أكثر سلاسة وسرعة وفعالية، وتركيب ثلاثة آلاف وحدة منه في منشأة ناتنز، وعن اعادة تفعيل منشأة فوردو القريبة من قم، وعن أن القضبان النووية، التي تحوي كل منها صفيحتين تحملان قدرة اليورانيوم المخصب 20 في المئة، قد أصبحت في مفاعل أمير اباد الطبي في طهران، ما يعني أن الموافقة على عقد المحادثات في هذه الأجواء تسليم بكل ما سلف.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أمس عن دبلوماسيين غربيين يعملون في وكالة الطاقة الذرية في فيينا قولهم إن موقع فوردو، الذي يعدّ هدفاً إشكالياً لهجوم جوي لكونه يوجد تحت جبل، يكاد يكون جاهزاً تماماً، وأن الامر يمثّل «قفزة ذات مغزى» من ناحية المشروع النووي الإيراني.
ويجري الحديث في الصالونات الإيرانية هذه الأيام عن مفاجأة نووية سيعلنها الرئيس نجاد قريباً، على الأرجح عشية محادثات إسطنبول، أو ربما في اليوم نفسه، يتوقع البعض أن تكون إعلاناً بأن إيران قد أصبحت دولة مصدرة للوقود النووي، ما يجعلها الدولة الرابعة، بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، التي تمتلك قدرات كهذه، مع ما لذلك من آثار كبرى على المستوى العالمي.
... ولا نفط لفرنسا وبريطانيا
هناك معركة من نوع آخر تدور رحاها حالياً حول النفط الإيراني، آخر فصولها إعلان وزارة النفط الإيرانية أمس أن وزير النفط رستم قاسمي أوعز إلى المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية بوقف صادرات النفط الخام إلى مصافي التكرير وشركات النفط الفرنسية والبريطانية. ومعروف أن ايران هي ثاني بلد منتج للنفط في منظمة اوبك، وتنتج 3,5 ملايين برميل نفط يومياً، وتصدر مليونين ونصف مليون. وهي تبيع بين 18 و20 في المئة من نفطها إلى الاتحاد الأوروبي، أي ما يوازي نحو 600 الف برميل يومياً، وخصوصاً لإيطاليا واسبانيا واليونان وفرنسا وهولندا والبرتغال. وتصدّر طهران سبعين في المئة من نفطها الى آسيا. وكانت فرنسا تستورد عام 2011 نحو 58 الف برميل يومياً من الخام الإيراني، ما يغطي ثلاثة في المئة من حاجاتها. ولم يكن واضحاً لماذا جرى وقف الصادرات للشركات البريطانية، علماً أن استهلاك المملكة المتحدة من النفط الإيراني شبه معدوم. ولعل الشركات البريطانية تستورد هذا النفط لتبيعه في الأسواق الأوروبية، وقد تكون هذه الخطوة عقاباً للندن على «الدور العدائي» الذي تمارسه ضد الجمهورية الإسلامية، والذي تجلى في أوضح صوره في خلال الاضطرابات التي رافقت الانتخابات الرئاسية لعام 2009.
المعلومات الواردة من طهران تتحدث عن أن هذه المعركة لها حيثياتها وعواملها الخاصة بها وهي على النحو الآتي:
1- ترى الجمهورية الإسلامية أن هذه الدول مكبلة في فخ الأميركيين لأن مبيع النفط كله يجري بالدولار، في الوقت الذي تريد فيه طهران وغيرها من العواصم مقاطعة هذه العملة.
2- كانت طهران تقدم إلى كل من اليونان والبرتغال واسبانيا وإيطاليا، وبسبب أزماتها المالية، تسهيلات على شكل دفع مؤجل 60 يوماً.
3- عندما تزايدت الضغوط على الأوروبيين من قبل واشنطن لمقاطعة النفط الإيراني، طلبت الدول الأوروبية مهلة ستة أشهر لكي ترتب أوضاعها، كشف خلالها الإيطاليون أن هناك خمس مصاف للتكرير في إيطاليا، و70 أخرى في أوروبا مخصصة للنفط الإيراني الثقيل (وهو نوعية نادرة).
4- عندما صدر القرار الأوروبي بمقاطعة النفط الإيراني بدءاً من الأول من تموز، وجد فيه الإيرانيون استفزازاً، وشهدت نقاشات مجلس الشورى دعوات لطهران بقطع النفط. عندها بعثت الدول الست السالفة الذكر ومعها الدنمارك بسفرائها إلى البرلمان الإيراني، يستجدون تأجيل قرار كهذا تحت عنوان موسم الشتاء والبرد القارس، وأنها غير قادرة على تدبير أمورها.
5- قررت طهران في بداية الأمر وقف تصدير النقط للدول الست، قبل أن تكتشف أن بعضها قبل الشروط الإيرانية بإبرام عقود طويلة الأجل (3 إلى 5 سنوات) والدفع الفوري، فيما البقية طلبت التفاوض من جديد، عندها قررت الاقتصار على فرنسا، حيث حملة الانتخابات الرئاسية ستجعل نيكولا ساركوزي أكثر يمينية، وبريطانيا باعتبارها «ربيبة أميركا».
6-سارعت كل من اليابان وكوريا الى الطلب من الأميركيين استثناءها في مقاطعة النفط الإيراني، وإن قبلت خفض الواردات منه، فيما استغلت الصين الفرصة ورفعت طلبها، كذلك فعلت الهند، التي تعهدت استيراد كل ما كانت تأخذه الدول الأوروبية اذا ما حُلّت أزمة آلية الدفع. وجرى الاتفاق على الاستعانة بمصرف الشعب التركي، كما عرضت نيودلهي دفع جزء من المستحقات بالدولار، وجزء بالذهب، وجزء بالعملة المحلية الروبية، وجزء عبر المقايضة ببضائع هندية الصنع.
7- إلى جانب الهند والصين، طلبت جنوب أفريقيا استيراد نفط إيراني، كذلك فعلت شركات عملاقة من جنوب شرق آسيا تريد أن تعمل على تكرير هذه المادة وإعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية.
في الخلاصة، يرى المعنيون في طهران أن هناك «تحولاً جيوبوليتيكياً، بحيث إن الملف السوري، وإن كان صحيحاً أنه جرى تدويله، إلا أن ذلك حصل في إطار حرب باردة جديدة تمنع سقوطه، بسبب التغير الحاصل في موازين القوى، وتجعله لاعباً أساسياً بعدما كان على شفا السقوط، في معركة إقليمية كبرى سيضطر الجميع في النهاية إلى محاولة كسب وده فيها، بعدما أصبح الخصم الذي يُحسب له حساب، هو الذي كان هناك من يريد أن يلحقه بقطار الربيع العربي».

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,687,122

عدد الزوار: 6,961,312

المتواجدون الآن: 57