لكل في لبنان "كنفه" إلا المسيحيين!

تاريخ الإضافة الأربعاء 13 آب 2008 - 8:14 ص    عدد الزيارات 1556    التعليقات 0

        

"إذا كان يتعذر على الحق ان يدافع وحيدا عن نفسه، وكانت القوة هي المكمل الضروري له حتى لا يعم الظلم العالم، وجب البحث عن القوة حيث نجدها ليعيش الحق في ظلها".   ... ميشال شيحا  (بعد الاعتداء الاسرائيلي على مشروع تحويل المياه في الجنوب – 11 أيار 1951)
كثيرون لا يزالون غير مصدّقين أن لبنان قادر على اجتياز أصعب مرحلة في تاريخه منذ الاستقلال. بل ثمة من لا يزال غير مصدّق أن في الامكان اقامة حكم انتقالي تتساكن فيه وتتعاون الفئات التي كانت حتى الأمس القريب تتواجه في الشارع وتسيل دماء منها على أرضه. واذا لم تلتقِ هذه الفئات مجددا في مجلس الوزراء، فأين عساها تلتقي؟..... في هذا الجو المليء بالتشكيك في إمكان الوصول الى حلول عبر المشاركة، تألفت الحكومة وإن بعد طول انتظار، وكان وقت الانتظار ضروريا ومفيداً. ثم أنجز البيان الوزاري وسط مصارحة وحوار عقلاني أخذ الوقت اللازم لترتيب الافكار وايجاد القواسم المشتركة... وها هي الطريق الى احياء المؤسسات تفتح مجدداً فيستعيد مجلس النواب دوره المركزي في الحياة الدستورية.
وكان مفروضا أن يتوقف الطرق على باب البيان الوزاري في موضوع العلاقة بين الدولة والمقاومة منذ أقر نص البيان "بالاجماع" رغم التحفظ، نظرا الى ان البيان الذي أظهر الدولة على انها الاساس في بنيان الكيان، وأن لا مكان لسواها داخله باعتراف كل الافرقاء والشيعة في مقدمهم لأنهم لبنانيون مثل الآخرين ويجب ان يعاملوا على قدم المساواة مع السنّة والمسيحيين والدروز مع "حبة مسك" اضافية لانهم بذلوا الدماء وقدموا الشهداء من أجل لبنان – والجنوب ارض لبنانية وليس ارضا للشيعة وحدهم – في وقت تخلف الآخرون لاعتبارات متنوعة، وهذا ما أشار اليه الرئيس ميشال سليمان في خطاب القسم... وإذ استهدف التشديد على أن المقاومة يجب ان تكون في "كنف الدولة" وان كل ما هو في هذا الكنف يجب ان يكون "وطنياً"، فقد أظهر الالحاح على هذا الأمر ان "الدويلة" التي يُتهم "حزب الله" بإقامتها في مواجهة الدولة لا علاقة للبنان بها بل هي تابعة لايران وسوريا ويستوطن أهلها جزءا من الاراضي اللبنانية في الجنوب والبقاع وقسم من بيروت بقوة السلاح. وإن هؤلاء "الفرس" و"الشاميين" يجب ان يُجردوا من سلاحهم بالقوة اذا لزم الأمر، لأن زمن "الفوضى" قد ولّى!..... إن مثل هذا المنطق لا يبني وطنا. ذلك ان قبول المقاومة باتفاق بيروت ثم باتفاق الدوحة والانخراط في مشروع حكومة الوحدة الوطنية، يعني دخولا كاملا بـ"السلاح المحرِّر" في مشروع الدولة القوية والقادرة، كتفا الى كتف، وزندا الى زند، وعقلا الى عقل، وقلبا الى قلب في مسيرة لا رجوع عنها، والسلاح فيها هو لحمايتها لا لتهديدها، وخصوصا بعدما تقرر في الدوحة تجاوز ما حصل في 7 ايار. وقد تعهد "حزب الله"، وهو صاحب "غزوة بيروت والجبل"، عدم اللجوء الى سلاح "الدويلة" في الصراع السياسي وكذلك عدم الاعتماد عليه في الانتخابات، وتأكيد تصويبه في اتجاه العدو الاسرائيلي، الى جانب سلاح الدولة صاحبة "الكنف" على ما أكد الرئيس سليمان في عيد الجيش، وإن أغضب كلامه أطرافا في الداخل والخارج استوضحوه معنى تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر بالوسائل "المتاحة"..... ان المتاح الآن هو الرجوع الى العقل وطرح السؤال الآتي: من أفسح المجال قبل قرابة ثلاثة عقود لقيام "الدويلة"؟ بل أين كان كنف الدولة آنذاك؟ وهل كان موجودا حقا؟ وهل سأل عن الدولة وكنفها، وخصوصا جيشها، الذين أقاموا "دويلة" فلسطينية ووضعوا كل ما لديهم في تصرفها بعدما وضعوا أنفسهم في كنف دويلتها وفي خدمتها على حساب شركاء لهم بدوا أيتاما وهم يطالبون بـ"الكنف"، ولا ندري من سيعطيهم هذا الكنف الآن؟ فاذا كان الكنف هو القوة، فلا وجود لهذه حاليا خارج المقاومة التي يفترض ان تأخذها الدولة بيدها وتقول لها: "سلمت يداك بالقضاء على غدر العدو وتسلطه وجبروته"، ومن الآن سنكون معا قوة واحدة لبناء الكنف الذي لم يطالب به سوى الفريق المسيحي، ويا للأسف، ربما لأنه الوحيد الذي يفتقر الى الدويلة، بعدما كان الافرقاء الآخرون أقام كل منهم دويلته!!!! ...إلا أن هذا القرع على باب البيان الوزاري والذي يراد به إسماع الخارج والجنرال ديفيد بترايوس في الدرجة الاولى، أكثر من الداخل الذي يعمل لاقناع نفسه بأن المرحلة لا تتحمل أكثر مما "حققه" البيان الوزاري، وإن يكن التحفظ حق ديموقراطي لا يجوز لأحد إنكاره على أي طرف، وهو سيتكرر ربما في جلسات مجلس وزراء "الوحدة الوطنية". إلا أن هذا القرع يجب ألا يُنسينا ما نحن مقبلون عليه داخلياً، وما سنشهده اقليميا في المرحلة المقبلة.
وربما كان النائب وليد جنبلاط أول من أدرك ما ينتظر لبنان والمنطقة في المرحلة المقبلة، بعدما وجد نفسه في ما يشبه "انعزالاً" سياسياً جعل حجمه يتراجع الى مستوى زعيم طائفة هي الاصغر في لبنان ويُعامل على هذا الأساس في التركيبة الحكومية، فقبل على مضض أن يُعطي بعض الأطراف في 14 آذار من رصيده لتكبير حجمهم بغية تمكينهم من مواجهة مناهضين لهم في الجهة الأخرى. وهذا ما دفعه الى يذكّر من فاتهم في فريق 14 آذار ان مدرسة كمال جنبلاط قامت على قاعدتين: الاولى ان الزعامة الحقيقية في لبنان هي زعامة وطنية وقومية وليست زعامة طائفية. وان الزعيم الوطني، حتى ينال صك الاعتراف به، يجب ان يكون أولاً زعيما في طائفته. لذلك هال جنبلاط في أحداث 7 ايار التي انتقلت من بيروت الى الجبل ان العالم العربي لم يستنكر تعرض الجبل الدرزي للعدوان ولم يهب للدفاع عنه بل وقف بجانب المقاومة. لذلك كان اعلان جنبلاط قانون ايمانه أن الوطنية هي في العروبة والدفاع عن فلسطين ومقاومة العدو الاسرائيلي. ولم تكن هناك حاجة لدى حزب جنبلاط الى أن يسير وراءه من يوضح تصريحاته ويفسّرها على نحو مناقض لها في أحيان كثيرة، وكأن جنبلاط ليس ابن أبيه، أو هو قاصر ويحتاج الى مرشد وموجّه. ونحن الذين نعرف جنبلاط ندرك كم يملك هذا الرجل من الحكمة والتعقّل والرؤية وبُعد النظر، ولا يفارقه ظل والده، وهو القائل ذات يوم انه يتمنى أن يكون ما قام به في "ثورة الارز" ومواجهة السوريين قد أرضى والده في عليائه.
وجنبلاط يعرف ايضا ان "حزب الله" ليس الوحيد في لبنان الذي لديه "دويلة". فهناك أطراف كثيرون لديهم دويلات باستثناء المسيحيين ربما، إذ أُخرج فريق منهم من الدولة بعد حرب الجبل، وخرج فريق آخر بعد اتفاق الطائف، ولم يلتق هذان الفريقان لبناء دويلتهما واستمرا خارج الدولة، في حين أقام الافرقاء الآخرون دويلاتهم، كل واحد منهم على أرضه. و"حكومة الوحدة الوطنية" ليست سوى تجربة تساكن بين هذه الدويلات، ونجاحها متوقف على مقدار تنازل أرباب هذه الدويلات لمصلحة مشروع الدولة، أكثر مما على ما تستطيع ان تأخذه كل دويلة من الدولة.
لذلك يجب ان تُعطى هذه التجربة أقصى فرص النجاح، لان منها قد تنبثق الدولة المشتهاة، القوية والقادرة.
ولا بأس اذا تحولت جلسات الثقة بالحكومة "سوق عكاظ" تعيد الى الديموقراطية حيويتها، وتجعل منبر مجلس النواب جسر تواصل مع الشعب الذي سيدعى بعد أشهر الى انتخابات قد تكون الاولى في حياة الجمهورية لجهة العدالة والمساواة وصحة التمثيل. فماذا يضير المتضايقين من ارتفاع عدد طالبي الكلام من النواب الى أكثر من نصف عدد أعضاء المجلس؟ أم أن ثمة من لم يستوعب الى الآن أن البلاد انتقلت فعلا من نظام الوصاية الذي كان يعلّب كل شيء، الحكومات والجلسات، وأن المنبر بات مفتوحاً أمام جميع النواب الذين يجب ان يسمع ناخبوهم أصواتهم ليقرروا غدا على أساسها اذا كانوا سيعيدون انتخابهم أم يختارون سواهم. أليست هذه وظيفة الانتخابات في النظام الديموقراطي؟
وهل أروع من ان تعود الاصوات تلعلع في ساحة النجمة، مذكّرة الناس بوقفات كميل شمعون وبيار الجميل وصائب سلام ورشيد كرامي واميل (جرجس) لحود وريمون اده والبر مخيبر وعبد الله الحاج وجورج عقل وحبيب أبو شهلا؟
أليست هذه هي الديموقراطية؟
 

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 162,374,745

عدد الزوار: 7,244,234

المتواجدون الآن: 108