قمة المعتدلين: "محكمة الحريري" غير "محكمة البشير" الأسد: الأولوية للتحالف مع إيران لا للمصالحة العربية

تاريخ الإضافة الأربعاء 8 نيسان 2009 - 2:55 م    عدد الزيارات 851    التعليقات 0

        

عبد الكريم أبو النصر
"اكد مسؤول عربي كبير لجهات دولية رسمية ان قمة الدوحة العربية عكست بوضوح واقع موازين القوى في الساحة العربية اذ ان القرارات الصادرة عنها والمناقشات التي شهدتها اثبتت ان الدول المعتدلة بقيادة مصر والسعودية هي التي تشكل الغالبية الكبرى وهي صاحبة القرار الاساسي وتوجه العمل العربي المشترك ومسار الاحداث في المنطقة العربية. فقد تجاهلت قمة الدوحة او رفضت مواقف الحلف السوري – الايراني حيال قضايا المنطقة وتبنت في قراراتها مواقف ووجهات نظر المعتدلين والواقعيين العرب سواء بالنسبة الى القضايا الاقليمية أو الى العلاقة مع ايران وطريقة التعامل مع النزاع العربي – الاسرائيلي ومع المجتمع الدولي والدول الكبرى! أو بالنسبة الى مسار العلاقات العربية – العربية ومصيرها".
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية عربية وثيقة الاطلاع، واوضحت ان الدول العربية المعتدلة فرضت فعلا سياساتها وتوجهاتها على قمة الدوحة التي انعقدت يوم 30 آذار الماضي. فقد رفضت القمة العربية ضمنا دولة "حماس" المستقلة في غزة والانقسام الفلسطيني من خلال تأكيد الدعم للشرعية الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس ولمنظمة التحرير في مفاوضاتها مع اسرائيل، ومن خلال اعلان التأييد الصريح لجهود مصر لانجاز المصالحة الفلسطينية ولتوحيد الموقف الفلسطيني وهو ما يشكل ضربة للجهود التي بذلها المحور السوري – الايراني لاضعاف الرئيس الفلسطيني والدور المصري.
وتمسكت القمة بمبادرة السلام العربية كخيار استراتيجي عربي لتحقيق السلام العادل ولحل النزاع مع اسرائيل، ورفضت تعليق هذه المبادرة كما اقترح الرئيس بشار الاسد في الدوحة، ورفضت اعلان موتها كما طالب بذلك الرئيس السوري خلال حرب غزة. وبدا واضحا من قرارات القمة العربية ومناقشاتها ان ثمة رفضا عربيا صريحا لسياسات ايران حيال بعض دول الخليج العربي والمنطقة عموما كما بدا واضحا ان ثمة تشكيكا عربيا قويا بحقيقة النيات الايرانية تجاه الدول العربية، اذ ان الزعماء العرب اتفقوا في الدوحة على ضرورة ان تترجم القيادة الايرانية "اقوالها بالرغبة في تحسين العلاقات مع الدول العربية الى خطوات عملية". وتبنت هذه القمة الموقف السعودي والداعي الى صوغ استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع التحدي الايراني من خلال دعوتها الى وضع "رؤية استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع التحديات التي تهدد الامن القومي العربي". والمقصود بذلك الخطر الاسرائيلي والتحدي الايراني. وتبنت القمة ايضا الموقف السعودي في ما يتعلق بمسار العلاقات العربية – العربية اذ دعت الى "انتهاج اسلوب الحوار والتشاور في حل الخلافات العربية والابتعاد عن اثارة الفتن ولغة التهجم والتوتر والتصعيد في كل الساحات ونبذ القطيعة والخصام"، وهو المنهج الذي اعتمده المحور السوري – الايراني في السنوات القليلة الماضية سواء في لبنان او في فلسطين او في ساحات اخرى. واكدت القمة تضامنها مع لبنان المستقل ودعمها لجهود الرئيس ميشال سليمان والحكومة، وايدت وضع العلاقات بين لبنان وسوريا "على المسار الذي يحقق مصالح البلدين".
لكن الملفت ان القمة ميزت بين "محكمة السودان" و"المحكمة الخاصة بلبنان". ففي الوقت الذي اكدت القمة التضامن السياسي مع السودان ومع الرئيس عمر البشير الذي اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور، فانها خلافا لما كان يتمناه السوريون اكدت دعمها للمحكمة الدولية المكلفة الكشف عن الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وشخصيات وطنية اخرى من خلال اخذ العلم بانطلاقها واعلان ثقتها بعملها. واوضح مسؤول عربي كبير ان موضوع "محكمة لبنان" مختلف كليا وجذريا عن موضوع "محكمة السودان" وان تمسك الزعماء العرب عموما بدعم "محكمة لبنان" هو التزام عربي لا تراجع عنه تجاه هذا البلد والمجتمع الدولي الذي يرعى عمل هذه المحكمة، وهو ناتج من تصميم دول بارزة ومؤثرة على وضع حد لنهج الاغتيالات السياسية وعلى منع اي جهة اقليمية من استخدام العنف والارهاب لفرض هيمنتها مجددا على لبنان.
رهان الاسد على إيران.... وفي هذا المجال كشفت لنا مصادر ديبلوماسية عربية وثيقة الاطلاع على مناقشات قمة الدوحة وعلى الاتصالات العربية – العربية ان الرئيس بشار الاسد لا يزال مصمما على الاحتفاظ بتحالفه الوثيق مع ايران، وهو يتصرف على اساس انه "المدافع الاول" عن الجمهورية الاسلامية وعن سياساتها في المنطقة العربية. ووفقا لهذه المصادر، فان الاسد ليس مقتنعا بجدوى مصالحة عربية حقيقية وجدية تدعو اليها السعودية ومصر وتكون على حساب تحالفه الوثيق مع ايران وتقوم على التزامات وتعهدات محددة تشمل خصوصا امتناع الرئيس السوري عن التدخل سلبا في شؤون لبنان وفلسطين ودول اخرى، وعن دعم "حزب الله" و"حماس" خارج اطار السلطة الشرعية اللبنانية والفلسطينية، كما تطلب من الرئيس السوري التوقف عن اعتماد لغة مزدوجة في التعامل مع اسرائيل بحيث يشجع "حماس" و"حزب الله" على مواصلة القتال ضد الدولة العبرية مما يلحق اضرارا هائلة بالمصالح الفلسطينية واللبنانية في الوقت الذي يحرص هو على حل النزاع سلميا مع الاسرائيليين ومن دون استخدام القوة العسكرية ضدهم. واكدت المصادر ذاتها ان اربعة عوامل اساسية تمنع الاسد من فك ارتباط سوريا الوثيق بالاستراتيجية الايرانية والاكتفاء بعلاقات طبيعية مع ايران، واعطاء الاولوية للعمل مع الدول العربية الاخرى على دعم المصالح العربية الحيوية وحمايتها، وليس على دعم مصالح المحور السوري – الايراني بمكوناته المختلفة... وهذه العوامل هي الآتية:
العامل الاول، ان الاسد على اقتناع بانه يحقق مكاسب سياسية واستراتيجية ومالية واقتصادية وامنية من تحالفه مع ايران والقوى المتشددة وان ذلك يعزز  الدور السوري في المنطقة ويدفع جهات دولية بارزة الى التحاور معه من اجل التوصل الى تفاهمات متبادلة مقبولة تدعم نظامه. ويرى الاسد ان فك تحالفه مع ايران يضعف نظامه في الداخل وفي الساحات اللبنانية والفلسطينية والعربية عموما. وانطلاقا من ذلك يدعو الرئيس السوري الى التقارب مع ايران والى التفاهم معها ويرفض الدخول في اي نوع من المواجهة السياسية مع الجمهورية الاسلامية بقطع النظر عن اعمالها وممارساتها السلبية والخطرة في عدد من الساحات العربية.
العامل الثاني، ان الاسد يراهن على ان ايران ستحقق في حوارها المقبل مع ادارة الرئيس اوباما مكاسب سياسية واستراتيجية مهمة في المنطقة ستنعكس ايجابا على نظامه، لذلك فهو ليس راغبا في اضعاف الموقف الايراني التفاوضي مع الاميركيين من خلال الانضمام الى استراتيجية عربية موحدة تهدف الى وضع حد للتدخلات الايرانية السلبية والخطرة في عدد من الساحات الاقليمية كما تهدف الى اغلاق "الجسر السوري" الذي تعتمد عليه الجمهورية الاسلامية لتعزيز نفوذها في عدد من دول المنطقة.
العامل الثالث، ان الاسد يريد الدخول في عملية تفاوضية مع الادارة الاميركية وهو متمسك بـ"اوراق قوية" كورقة "حزب الله" وورقة "حماس" وورقة التحالف مع ايران للمساومة عليها من اجل محاولة تحقيق اهداف اساسية له. ولذلك، فان الرئيس السوري ليس راغبا في التخلي عن هذه "الاوراق" للدول العربية المعتدلة في اطار مصالحة عربية حقيقية وجدية لان ذلك يقلص، في تقديره، قدرة النظام السوري على المناورة ويضعف الموقف السوري التفاوضي مع ادارة اوباما وايضا مع اسرائيل.
لا ضمانات للسوريين... العامل الرابع، ان الاسد لم يحصل على ما يريده من الدول العربية المعتدلة البارزة مما يمكن ان يشكل "تعويضا مقبولا" لفك تحالفه الوثيق مع ايران او "ثمنا سياسيا ملائما" للقيام بهذه الخطوة. فالاسد لم يحصل على اي ضمانات تؤمن الحماية لنظامه ولمسؤولين سوريين بارزين من الملاحقة والمحاسبة امام المحكمة الدولية المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي جرائم سياسية اخرى في حال قدمت لجنة التحقيق الدولية ادلة على التورط السوري، اذ ليست لدى اي دولة القدرة على تقديم هذه الضمانات له لان هذه المحكمة وكل ما يرتبط بها عملية قانونية دولية تقع تحت اشراف مجلس الامن ومسؤوليته ولن يستطيع احد التدخل فيها وتغيير مسارها. لذلك يفضل الاسد البقاء في "خط المواجهة" مع ايران والقوى المتشددة الحليفة تحسبا لكل الاحتمالات. ولم يحصل الاسد على اي وعد او التزام عربي بتعزيز دوره ونفوذه مجددا في لبنان، بل انه لمس اصرارا مصريا – سعوديا – عربيا مدعوما دوليا على حماية لبنان المستقل السيد من اي تدخلات سورية وايرانية في شؤونه الداخلية... ولم يتلق وعود عربية باعادة تركيب النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته المختلفة بما يؤمن موقعا بارزا واساسيا لحركة "حماس" وللفصائل الفلسطينية الاخرى والمتحالفة مع دمشق وطهران، بل تم التشديد عربيا خلال الاتصالات مع المسؤولين السوريين على ان انقاذ الفلسطينيين من مأزقهم الخطر يتطلب اولا انهاء دولة "حماس" المستقلة المدعومة من سوريا وايران وتعزيز دور السلطة الشرعية الفلسطينية عبر تحقيق المصالحة الفلسطينية الجدية برعاية مصر وتوحيد الموقف الفلسطيني التفاوضي في التعامل مع اسرائيل والمجتمع الدولي. ولم يحصل الاسد على اي وعد يقضي بتدخل دول عربية بارزة ومؤثرة لدى ادارة اوباما لدفعها الى الغاء العقوبات المختلفة المفروضة على سوريا، والى التعامل مع نظامه بانفتاح حقيقي وايجابية اكبر. وقد حصل الاسد على وعود عربية بتقديم مساعدات مالية ودعم اقتصادي الى سوريا، وباحياء صيغة التحالف الثلاثي المصري – السعودي – السوري المنفتح على دول اخرى، كما حصل على وعد بمساعدته اميركيا ودوليا على استعادة الجولان المحتل، في مقابل فك تحالفه الوثيق مع ايران والاكتفاء باقامة علاقات طبيعية معها. لكن ذلك ليس كافيا لدفع الاسد الى الخروج من الاستراتيجية الايرانية الثورية التغييرية في المنطقة والانضمام الى استراتيجية عربية لمواجهة التحديات الايرانية والاخطار الاسرائيلية بموقف عربي موحد جديا يعطي الاولوية لتأمين المصالح الحيوية العربية وليس لتأمين مصالح الجمهورية الاسلامية وحلفائها... وضمن هذا الاطار اكد لنا مسؤول عربي بارز ان الاسد يريد التهرب من المصالحة العربية الحقيقية ويسعى الى تأمين نوع من التغطية السياسية لامتناعه عن اجراء مثل هذه المصالحة المتضمنة التزامات وتعهدات محددة، ولذلك اقترح على الزعماء العرب الاكتفاء "بادارة الخلافات العربية وتنظيمها" وانشاء آلية عربية لادارة هذه الخلافات... ذلك ان الاسد يريد ان يحافظ على تحالفه الوثيق مع ايران و"حماس" و"حزب الله" وقوى متشددة اخرى وان يقيم في الوقت نفسه علاقات جيدة مع مصر والسعودية ودول عربية اخرى، ومن دون ان يضطر الى تغيير سياساته وتوجهاته.
واوضح هذا المسؤول العربي ان المسؤولين المصريين والسعوديين مدعومين في ذلك من غالبية الزعماء العرب يرفضون تكريس صيغة "ادارة الخلافات العربية وتنظيمها" ووضع آلية لها لان هذه الصيغة تؤمن في الواقع تغطية عربية لتدخلات ايران السلبية والخطرة في الشؤون العربية ولان الاكتفاء بتنظيم الخلافات بدلا من العمل الجدي على تحقيق المصالحة العربية يضعف الموقف العربي في التعامل مع ايران واسرائيل والدول الكبرى، ويعطي الجمهورية الاسلامية فرصة اضافية لمواصلة تنفيذ مخططاتها الاقليمية المختلفة على حساب المصالح العربية الحيوية. ولذلك فان اي تقارب حقيقي مصري – سعودي - عربي مع سوريا يجب ان يستند الى تفاهمات واضحة ومحددة عربية – سورية حول طريقة التعامل مع القضايا الاقليمية ومع التدخلات الايرانية السلبية والخطرة بما يؤمن مصالح الدول والشعوب العربية ويمنع هيمنة دولة على دولة اخرى ويساعد على تحقيق الامن والاستقرار والسلام في المنطقة.
واكد هذا المسؤول العربي "ان قمة الدوحة لم تحدث تحولا جديا في مسيرة المصالحة العربية بل ان هذه المسيرة لا تزال في بدايتها، ذلك ان الدول العربية الاساسية تريد مصالحة عربية حقيقية وليس شكلية في الوقت الذي يريد الاسد الاكتفاء بادارة الخلافات العربية وتنظيمها لانه ليس راغبا في التوصل الى تفاهمات محددة وملزمة مع مصر والسعودية ودول اخرى تضعف علاقاته مع ايران والقوى المتشددة في المنطقة. فرهانات الاسد وحساباته مختلفة كليا عن رهانات الدول العربية المعتدلة وحساباتها".

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,574,817

عدد الزوار: 7,638,065

المتواجدون الآن: 0