هل تستمر إسرائيل دولة واحدة ثنائية القومية؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 12 كانون الثاني 2016 - 6:22 ص    عدد الزيارات 366    التعليقات 0

        

 

هل تستمر إسرائيل دولة واحدة ثنائية القومية؟
ماجد الشّيخ
يثور اليوم جدل واسع في إسرائيل، بشأن مأزق الحلول التفاوضية، وطبيعة التسوية التي قد تنشأ مستقبلا، بدءا من «حل الدولتين« الذي تعثرت مسيرته منذ أن بدأت حكومات اليمين، ومن قبلها بعض حكومات الوسط في المزايدة هنا والمناقصة هناك، من دون الوصول إلى قواسم مشتركة، لا في ما بين مكونات الكيان السياسي والحزبي الإسرائيلي، ولا في ما بينها وبين السلطة الفلسطينية، إلى أن وصلت المفاوضات إلى الحائط المسدود، ما أثار نقاشا وجدلا واسعين، ما زال يتجدد، عن حل الدولة الواحدة (الديمقراطية)، أو الدولة الثنائية القومية، أو دولة لكل مواطنيها.. إلخ من الصيغ المبهمة.

وطالما بقيت المفاوضات تفشل، وترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التوصل إلى اتفاق يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية ضمن ما أسمي «حل الدولتين«، فستبقى «الدولة الواحدة« (الديمقراطية) أو (الثنائية القومية) كحل، سيفا مصلتاً على رقاب الإسرائيليين الذين يرفضون رؤية دولتين في فلسطين التاريخية، ويصرون على أن تكون «العودة إلى صهيون«، عودة إلى «دولة يهودية« (خالصة في المستقبل) وإن تكن (ناقصة الآن).

وليست صحيحة تلك المزاعم التي رددها رئيس الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ردا على تحذير وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر سابان، من أن «إسرائيل لن تكون ديمقراطية ولا يهودية«. إن هي لم تسع إلى إيجاد المرتكزات اللازمة «لتسوية الدولتين«، وعمليا فإن إسرائيل هي من ترفض ولا تعمل من أجل أي حل، وليس «حل الدولتين« فقط. وهي كذلك ترفض حل الدولة الواحدة، كما ترفض واقع إنها اليوم، وكما منذ العام 1948، إنما هي دولة ثنائية القومية، بقوة الأمر الواقع، وفشل التوجهات التفاوضية في إيجاد الحل أو الحلول المتفق عليها.

وليس صحيحا كذلك أن الفلسطينيين «يطيلون الوقت إلى أن يتحقق هدفهم الاستراتيجي« في إقامة الدولة الواحدة، بحسب (إسرائيل هرئيل) في (هآرتس 10/12/2015) «ونظرا لأنها ستكون ديمقراطية، فانها لن تكون يهودية، ومع الوقت لن تستطيع الصمود تحت ضغط نصف مواطنيها الذين سيطالبون مقابل قانون العودة الإسرائيلي بتطبيق مبدأ حق العودة للفلسطينيين«.

في سياق هذا الجدل الإسرائيلي الداخلي، علق الكاتب الكسندر يعقوبسون في هآرتس 10/12/2015، بالقول إنه (توجد للدولة اليهودية مشاكل أصعب من الجدال حول تعريفها الرسمي. ومع ذلك فان الجدال في هذا الموضوع ما زال مستمرا، وهناك من يعطي مفهوم «الدولة اليهودية« مغزى يناقض الديمقراطية).

وفي تقليبه لبعض صفحات التاريخ، يلقي يعقوبسون بعض الأضواء على بعض الأفكار قائلا: صحيح أنه يدور في إسرائيل صراع حول موضوع الدولة اليهودية، وفي اطاره تظهر تفسيرات غير ديمقراطية. لكن اولئك الذين يؤمنون أن حق تقرير المصير هو أمر دولي وينطبق ايضا على اليهود، وأن الدولة التي تطبق هذا الحق للشعب اليهودي يجب أن تكون ديمقراطية ـ لماذا يعطون الدولة اليهودية كـ «هدية« لمؤيدي الالزام الديني والتمييز القومي؟.

ليتساءل: هل مصادر تفسير «الدولة اليهودية« كديمقراطية لا وزن لها؟ «الدولة اليهودية« تظهر في قرار التقسيم للامم المتحدة من عام 1947 ـ المصادقة الدولية الاولى لمبدأ الدولتين للشعبين، وهي تظهر هناك بالمعنى القومي: دولة تمنح الاستقلالية للشعب اليهودي، إلى جانب دولة عربية تمنح الاستقلالية للشعب العربي في البلاد. في قرار التقسيم مطلوب من الدولتين القوميتين اقامة انظمة ديمقراطية وضمان المساواة في الحقوق للأقليات. و«الدولة اليهودية« تظهر ايضا في اعلان الاستقلال الإسرائيلي، الذي وقع عليه جميع ممثلي التيارات السياسية، من الحريديين وحتى الشيوعيين. بمعنى دولة تطبق «الحق الطبيعي للشعب اليهودي أن يكون مثل أي شعب آخر في دولته السيادية«. التفسير اللاديمقراطي للدولة اليهودية أُسقط من اعلان الاستقلال الذي يضمن حرية العبادة والمساواة المدنية للجميع.

من جانبه اعتبر الكاتب أ. ب. يهوشوع أن الدورين اللذين يقوم بهما كل من «معسكر السلام« و«المعسكر القومي« في إسرائيل، يؤديان إلى شلل سياسي لا يمكن معه إنهاء الصراع، وأن استمرار التفكير بـ «حل الدولتين« سيؤدي إلى استمرار الاحتلال، بالنتيجة. ولا يتوانى الكاتب عن الدعوة إلى التفكير مجددا بحل «الدولة الواحدة«، باعتبار أن التفكير قد يقود إلى أفكار جديدة، فدرالية أو كانتونية، ولكنه لا يقول إن استبعاد «حل الدولتين« يعني «دولة واحدة«، و«الدولة الواحدة« تعني تغيير طابع الدولة ونظامها، وإذا كانت ديمقراطية فإن ذلك يعني تحقيق المساواة والعدالة للجميع، وإلا فهي دولة أبرتهايد.

واذ اعتبر الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي أن «إسرائيل وسياساتها عصفت بأمن اليهود في جميع أرجاء العالم، وهيجت اللاسامية وعززتها«. يرى إن سيناريوهات مستقبل إسرائيل الثلاثة باعتبارها دولة احتلال وهي: استمرار الوضع الراهن الى الأبد، أو دولتان، أو دولة واحدة، تبدو الآن بلا أساس، وتوقف الاشتغال بها تماما؛ وكأن عدم البحث فيها سيؤدي الى حل قابل للتحقيق. لكنه لا يوجد لجميع الأسئلة المصيرية الأخرى أيضاً جواب حقيقي، ولا تكاد تثار في برنامج عمل الإسرائيليين الذين كان يجب عليهم أن يحصروا عنايتهم فيها وحدها تقريبا. إن دولة بلا مستقبل (واضح)، تتسلى بالماضي وتحصر عنايتها في الحاضر تشبه دولة لأمد قصير. ولا يسأل أحد حتى عشية أيام الانفعال القومي القريبة ماذا سيكون وجهها بعد عشر سنين، وهي مدة تُعد صفرا بالمعنى التاريخي؟.

وفي رؤيته للسيناريوهات المحتملة خلال الأعوام القادمة، يرى ليفي في مقالة له في هآرتس (13/12/2015) إن « حل الدولة الواحدة هو الأكثر ظلامية الذي سيُنزل علينا أكبر الكوارث: الانتفاضة، العودة، الحروب، الإرهاب، الدكتاتورية، الحرب الأهلية ويأجوج ومأجوج أهون بكثير من فكرة الديمقراطية ثنائية القومية«.

في الوقت ذاته يرى أن «مؤيدي اقتراح الدولة الواحدة، يحاولون تقديم اقتراح هستيري: اقامة نظام عادل، ديمقراطية متساوية للجميع وليس لليهود فقط. هذه هي القصة برمتها. وهناك تطور بدأت جهات في البلاد وفي العالم تدركه: عدم جدوى الحل البديل. صحيح أن هناك من ما زال يتسلى بفكرة (حل الدولتين)، مثل كذبة، للابقاء على الوضع القائم، وهناك من يعتقد أنه يمكن اقامة دولة فلسطينية عادلة ليس في حدود 1967، ودون اخلاء جميع المستوطنات ودون حل مشكلة اللاجئين. هذا تفكير فارغ. لم تقم حكومة إسرائيلية تؤيد هذا الحل: لم يتوقف أحد بشكل جدي عن بناء المستوطنات التي تهدف إلى منع الحل.

في هذا المجال، ينتقد ليفي حملات التخويف والزعزعة القائمة في إسرائيل، ويقول: «اذا كان رئيس الحكومة يقول إن إسرائيل لن تكون دولة ثنائية القومية، فانها بالتالي لن تكون. لكن توجد مسألة هامشية واحدة مأخوذة من الحقائق وهي أن إسرائيل منذ أكثر من 48 سنة هي دولة ثنائية القومية. ليس هناك طريقة اخرى لوصفها: دولة يعيش فيها شعبان تحت سيطرتها، هي دولة ثنائية القومية، ولا توجد مؤشرات تُظهر أنها ستتغير«.

يخلص ليفي في تقليبه لصفحات الحلول إلى أن «الطريق طويلة وصعبة، لكن يجب أن يتغير النقاش الآن، على الأقل في أوساط الأقلية التي تريد العيش في دولة أكثر عدلا. عليهم أن يتوقفوا عن الحديث عن «دولتين« و«دولة اليهود«، والبدء في الحديث الواقعي. والواقع هو أن الدولة ثنائية القومية قائمة منذ زمن، ويجب تحويلها إلى دولة عادلة. فهذا أقل اخافة وأقل خطرا من أي سيناريو آخر«.

يتضح من كل ما تقدم، وبالرغم من سيل النقاشات الإسرائيلية، أو الفلسطينية لرؤية ما يمكن أن تؤول إليه أرض فلسطين التاريخية، فقد أصبح واضحا أن هناك من بين الإسرائيليين من أضحى يرى أن الدولة التي أنشئت في العام 1948 وأسميت إسرائيل، لم تكن «دولة اليهود« أو «الدولة اليهودية«، كما اشتهت ورغبت الحركة الصهيونية، بل هي وباعتراف البعض، نشأت كـ «دولة ثنائية القومية«، بغض النظر عن عدد الفلسطينيين الذين بقوا في أرض وطنهم، وكم صارت نسبتهم العددية مقارنة بالإسرائيليين اليهود، وهكذا استمرت وتستمر الدولة «ثنائية القومية« بعد الاحتلال الثاني في العام 1967، حتى وإن زاد عدد الفلسطينيين إثر ذلك، ورغم الصراع الدامي ما زالت الدولة على حالها، والصراع على حاله، أما الحلول المقترحة، فهي ما زالت تراوح عند حدود إدارة الصراع، من غير أن تتخطاها نحو تفضيل حل أو تفصيله تفاوضيا، وذلك على قاعدة ارتياح الطرف الأقوى مالك زمام ميزان القوة، أو مالك القرار في الطرف الآخر، لاستمرار الأمر الواقع واقعا مفروضا، بقوة المصالح والتطلعات التي باتت أكثر تعارضا، وأقل تناقضا عما كانت من قبل.
 

A Gaza Ceasefire..

 الأحد 9 حزيران 2024 - 6:33 م

A Gaza Ceasefire... The ceasefire deal the U.S. has tabled represents the best – and perhaps last… تتمة »

عدد الزيارات: 160,836,270

عدد الزوار: 7,179,465

المتواجدون الآن: 137