دولة يهودية ولكل مواطنيها؟!

تاريخ الإضافة الإثنين 29 تشرين الأول 2012 - 6:51 ص    عدد الزيارات 769    التعليقات 0

        

 
شلومو أفنيري

دولة يهودية ولكل مواطنيها؟!

 

 

السؤال ما اذا كانت اسرائيل هي الدولة القومية اليهودية أم دولة كل مواطنيها سؤال لا داعي له بقدر كبير. فبحسب أقوال قضاة المحكمة العليا، فإن اسرائيل هي دولة يهودية ودولة كل مواطنيها على حد سواء.

اذا ما فصلنا النقاش في هذه المسألة عن الشحنة الحسية التي تنطوي عليها وعن بعض من الالتواءات القضائية الزائدة، فان الحقائق تبدو ظاهرا بسيطة: واضح أن اسرائيل ترى نفسها كتعبير عن حق تقرير المصير السياسي اليهودي. هذا هو مصدر الحركة الصهيونية وهذه هي الشرعيات الدولية التي منحت لها بقرار الامم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1949، والذي دعا الى اقامة دولتين – يهودية وعربية – في أرض بلاد اسرائيل الانتدابية. كما أن هذا هو الاساس العادي لقانون العودة.
من جهة اخرى، فان قرابة 20 في المئة من مواطني الدولة ليسوا يهودا. لهذه الاقلية، التي هي في معظمها عربية، توجد حقوق سياسية متساوية: فهم من حقهم أن ينتخبوا وأن يرشحوا أنفسهم للانتخابات، مندوبوهم يجلسون في الكنيست، العربية هي اللغة الرسمية الثانية للدولة ومحفوظ لهم الحق بالتعليم من الدولة بلغتهم وبثقافتهم – الحق الذي لا يعطى لاقليات قومية في ديموقراطيات واضحة مثل فرنسا وبريطانيا والمانيا. من هذه الناحية اسرائيل هي دولة متعددة الثقافة، ومع أن هذا لم يقل بصراحة والعديد من اليهود سيصابون بالصدمة لسماع هذا القول.
ولكن الواقع اكثر تعقيدا، لأسباب عدة: أولا، حقيقة ان اسرائيل توجد في صراع مع أجزاء من العالم العربي، معناها أن العرب في اسرائيل هم أقلية قومية في دولة توجد في نزاع مع الجماعة الكبرى (الامة العربية) التي يرون أنفسهم جزءاً منها وبالتأكيد من ناحية ثقافية. وهذا يختلف جدا عن وضع الاقلية الباسكية في اسبانيا مثلا. فهذا يجعل من الصعب على الاقلية العربية التماثل مع دولة اسرائيل ويؤثر على موقف الغالبية اليهودية منها، فضلا عن مسألة مساواة الحقوق للاقلية.
ثانيا، رغم المساواة التي يضمنها القانون، يعرف الجميع أنه في الواقع يوجد تمييز على المستوى الشخصي بل اهمال خطير لحقوق الاقلية العربية في كل ما يتعلق بالموازنات وبتخصيص المقدرات. الاستثمار في التلميذ في الاوساط اليهودية أكبر بأضعاف من الاستثمار في التلميذ في الوسط العربي، ويكاد لا يكون هناك أي استثمار رسمي في السكن العام أو في البنى التحتية في البلدات العربية. ومع ذلك لا يمكن تجاهل أنه مع قيامها كان بوسع اسرائيل أن تقرر بان العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة وأن كل أجهزة التعليم ستعلم بهذه اللغة فقط. ينبغي الثناء على الحكمة السياسية لمؤسسي الدولة الذين امتنعوا عن ذلك، ولكن مع كل الانتقاد المبرر للتمييز بحق العرب في التعليم، جدير بالذكر انه في فرنسا الجمهورية لا يوجد تعليم بالعربية او باللغات الافريقية.
ولكن فوق ذلك كله تحوم مسألة لا يمكن تجاهلها، هي مسألة الرموز الوطنية. التعابير الابرز على كون اسرائيل دولة القومية اليهودية توجد في رموزها: رمز الدولة، علمها ونشيدها القومي. هذه رموز يهودية واضحة، ليس من ناحية دينية بل من ناحية الهوية القومية اليهودية. يمكن بالتأكيد تفهم العربي مواطن اسرائيل، الذي يصعب عليه أن ينشد "نفس يهودية هائمة" أو التماثل مع رمز نجمة داود أو الشمعدان. ولكن من هذه الناحية اسرائيل ليست وحيدة. في كثير من الدول الديموقراطية في اوروبا: بريطانيا وسويسرا واليونان والدول الاسكندنافية – يظهر الصليب في علم الدولة. العلم البريطاني، مثلا، هو خليط من ثلاثة صلبان: صليب القديس جورج، سيد انجلترا، صليب القديس آندرو الاسكتلندي وصليب القديس باتريك الايرلندي. وبالتأكيد خلفية ذلك هي المسيحية، ولكن هذه تعبر اليوم عن التراث التاريخي لعناصر المملكة المتحدة. لم نسمع عن طلب من اليهود (أو المسلمين) باستبدال هذا العلم بعلم حيادي من ناحية دينية: بل ان معظمهم لا يفكرون في ذلك. كما أن كلمات النشيد القومي – لا تشغل على نحو خاص بال اليهود أو المسلمين أو الملحدين أو الجمهوريين او اولئك الذين ليسوا أعضاء في كنيسة الدولة الانغليكانية التي تقف الملكة على رأسها. أي من هذه العناصر لم يطلب استبدال النشيد القومي. من يصعب عليه التلفظ بالكلمات ببساطة يقف صامتا عند اطلاق النشيد القومي ولا ينشده: حل انساني ومتسامح.
فحص مقارن يظهر بأنه في الغالب الرموز لا تمثل اجماعا عاما، ضحلا وعديم المعنى، بل تمثل تراثاً تاريخياً يعبر عن ثقافة الغالبية في الدولة. صحيح أن هذا ليس دوما مريحا للاقلية – فهذا، للمناسبة، السبب الجوهري لاقامة دولة اسرائيل، من أجل السماح لليهود الا يكونوا أقلية خالدة. عندما تقاتل الاقلية في سبيل مساواة الحقوق في الدول الديموقراطية، يكون لها بشكل عام أمل طيب في النجاح. أما عندما تقاتل ضد الرموز التي تعبر عن التراث التاريخي للغالبية، فهي بشكل عام تفشل بل وتثير العداء في اوساط الغالبية.
حقيقة أنه يوجد في الجمهور العربي مطلب بتغيير النشيد القومي والعلم (وهو المطلب الذي لم تطرحه أبدا أقليات عربية أو اسلامية في اي دولة اوروبية ديموقراطية)، وكذا بالغاء قانون العودة، تنبع من حقيقة داخلية يجب الاعتراف بها وفهمها، حتى وان لم نتفق معها: هذا المطلب لا يأتي باسم المساواة في الحقوق، بل يعود أصله الى عدم الاستعداد للاعتراف بشرعية وجود اسرائيل بصفتها الدولة القومية اليهودية، والى محاولة التشكيك بذلك. ينبغي قول هذه الامور صراحة، وبالذات من يسعى الى ضمان مساواة الحقوق الحقيقية لعرب اسرائيل والتغلب على الجوانب العديدة من التمييز والفظاظة التي ترافق حياتنا، يجب عليه التمسك بهذه الفرضية.
أحيانا نسمع على ألسنة بعض من الناطقين بلسان الجمهور العربي بان مكانة عرب اسرائيل (او الفلسطينيين من مواطني اسرائيل على حد قولهم)  لا يمكن مقارنتها بمكانة الجزائريين في فرنسا، أو الباكستانيين في بريطانيا او الاتراك في المانيا، وذلك لان الحديث يدور هنا عن أقلية أصيلة من مواليد البلاد. دون الدخول في مسألة اذا كانت الاقلية الاصيلة لها حقوق لا تكون للاقلية المهاجرة (برأيي لا)، جدير بالذكر أنه لا يمكن التلويح بهذا المفهوم في سياقات اخرى ايضا. فهل ربما يهود العراق وسوريا ومصر، الذين أبعدوا بهذه الصورة أو تلك عن بلدانهم هم الاقلية الاصيلة. فاليهود عاشوا هناك قبل أن يحتلها العرب المسلمون في القرن السابع؟ لا يمكن الامساك بالحبل من طرفيه.
لا تناقض بين كون اسرائيل دولة قومية يهودية ودولة كل مواطنيها – التوتر بين الاثنين موجود بل وملزم سواء للغالبية اليهودية أم الاقلية العربية في تمييزات ليست سهلة للطرفين. فالغالبية اليهودية ملزمة بان تعترف بانه رغم وضع العداء وانعدام الحل في الموضوع الفلسطيني فإن العرب هم مواطنون في دولتنا: هذا ملزم للسياسة الحكومية باغلاق الفجوات في الموازنات للجمهور العربي في التعليم، والبناء والبنى التحتية. هذا ملزم ايضا للتقليل قدر الامكان من التفتيشات الامنية المسيئة. هذا ملزم للجمهور اليهودي بالتعاطي باحترام ليس فقط مع المواطنين العرب كأفراد بل وايضا مع ثقافتهم.
من جهة اخرى يجدر بالمكافحين في سبيل مساواة الحقوق أن يميزوا بين المطالب العادلة وبين المحاولة، التي مآلها الفشل، للكفاح ضد رموز الدولة. المطالبة بالمساواة والاندماج التام ستجد دعما واسعا في أوساط الجمهور اليهودي، ولكن ليس التشكيك بدولة اسرائيل كدولة القومية اليهودية.

"هآرتس" – ترجمة "المصدر"

 

A Gaza Ceasefire..

 الأحد 9 حزيران 2024 - 6:33 م

A Gaza Ceasefire... The ceasefire deal the U.S. has tabled represents the best – and perhaps last… تتمة »

عدد الزيارات: 160,824,529

عدد الزوار: 7,179,082

المتواجدون الآن: 138